Monday, April 20, 2015

قانونية الكتاب المقدس: كيف تم إقرار الأسفار وماذا عن "القانون الثاني"؟




"القانون" كمصطلح يأتي من العبري واليوناني بمعنى "عصا" يقاس بها.   فقانونية الأسفار هي المقياس الذي من خلاله عرف شعب الله الأسفار الموحي بها وميز بينها وبين سائر الكتابات. 

العهد القديم:

استلمنا أسفار العهد القديم من شعب بني إسرائيل وهي نفس الأسفار التي بين أيدينا مع الاختلاف في الترتيب والعدد بسبب تجميع بعض الأسفار في سفر واحد مثل "الاثنا عشر" (الأنبياء الصغار) والملوك وأخبار الأيام وصموئيل وعزرا ونحميا.

كيف ميز الشعب الكتابات النبوية وكيف حفظوها؟

كتبت الأسفار المقدسة لشعب الله ليحيا بها ويسلمها للأجيال اللاحقة أي أنها لم تكتب في فراغ أو في البراري ثم اكتشفت بعد ذلك!
-لم تكتب إلا بعد تأسيس شعب الله في عصر الخروج على يد موسى.  قبل ذلك لم يكن هناك "شعب" بالمعنى الرسمي.  نعلم أن الله تواصل مع الآباء قبل عصر موسى لكنه لم يعطيهم وحي مكتوب أنداك.  من المحتمل أن البعض كتب تراث أسرة إبراهيم أو تراث من قبله وأن موسى استخدم هذا في سفر التكوين ضمن عملية الوحي.

-وضع موسى لوحي الشريعة والناموس ككل في خيمة الاجتماع تحت رعاية الكهنة.   بعد بناء الهيكل نقلت الأسفار المقدسة إليه وكان للكهنة مسؤولية حفظها وتعليمها (خر 25: 16، 21، تث 17: 18، مل 2: 4-7).  في تثنية 31: 9 نجد أن الشيوخ أيضاً تسلموا الناموس من موسى.

-شرعية موسى تأكدت من خلال العلامات التي صنعها قدام الشعب ومن خلال تعامل الله مع المصريين في الضربات العشرة ومن خلال ظهور الله وتثبيت كلامه

-كل الأنبياء الحقيقيين بعد موسى كان لهم مصداقية وشرعية جاءت عن طريق كل أو بعض الآتي:

·         عن طريق اعتراف القيادة الدينية المعتمدة:

o        موسى وضع يديه على يشوع (عدد 27: 18-23)
o        برهن الله على مصداقية صموئيل من خلال عالي الكاهن (1 صم 3: 18)
o        الأنبياء صدقوا على اليشع الذي كان قد أخذ من سلطة إيليا وكان قد مسح منه (1 مل 19: 16، 2 مل 2: 1-15)
o        شهادة الملوك الأتقياء كان لها دور أيضا مثل ما نقرأ في 2 مل 3: 11-12

·         عن طريق تحقيق كلماته (تثنية 18: 22، 1 صم 3: 19 – 4: 1، 10: 1-8)

·         عن طريق العجائب المصنوعة على يديه (موسى، ايليا، اليشع) خر 4: 1-9، 2 مل 5: 8

·         لابد أن يكون تعليمه صحيح أي موافق لشريعة موسى (تث 13: 1-3)

إذا نجد أن العهد القديم لم يكتب في السر ولم يشك بني إسرائيل في محتوياته.  نستطيع أن نقول إن عملية الاعتراف به ("قانونيته") كانت عملية مستمرة ولم تحتاج لمجامع لتقريرها.  وكان معروفاً عند اليهود أن "روح النبوة" فارق إسرائيل بعد حجي، زكريا وملاخي (هذه الفكرة موجودة في يوسيفوس وغيره).   كان رسل المسيح قد تعلموا العهد القديم منذ صغرهم وآمنوا به وقد صدق الرب يسوع نفسه عليه (متى 5: 17-20، 22: 43) وأعطاهم تفسيره الحقيقي (لوقا 24: 28-49). 

ماذا عن "الأسفار المحذوفة" من العهد القديم؟

تسمى هذه الأسفار أحيانا أسفار "الأبوكريفا" والكلمة تعنى "مخفي" لكن اكتسبت معنى "المدسوس".  قد تشمل "الأبوكريفا" أسفار لا يعترف بها أحدا (انظر أدناه).   الكلمة الأفضل هي "أسفار القانون الثاني" وهو المصطلح المستخدم عند الكنائس التقليدية وعلماء الكتاب.  هذه الأسفار وجدت مع "أسفار القانون الأول" في الترجمة السبعينية وهي ترجمة يونانية للعهد القديم وضعت في القرنين الثالث والثاني قبل الميلاد.   أسفار القانون الثاني مكتوبة باللغة اليونانية ولو أن نسخ عبرية لبعض منهم اكتشفت حديثاً.


أسفار القانون الثاني مع بعض أسفار الأبوكريفا


الأسفار التي تعترف بها الكنيسة اللقبطية الأرثوذكسية
الأسفار التي تعترف بها الكنيسة الكاثوليكية
الأسفار الموجودة في نسخ الترجمة السبعينية


X
X
طوبيا


X
X
يهوديت


X
X
حكمة سليمان


X
X
يشوع بن سيراخ


X
X
باروخ



X
X
رسالة ارميا (أحيانا ترد كجزء من باروخ)


X
X
تتمة دانيال


X
X
تتمة أستير


X
X
مكابيين الأول


X
X
مكابيين الثاني

مقبول عند بعض الكنائس الشرقية


مكابيين الثالث

عامة غيرمقبول


مكابيين الرابع

مقبول عند بعض الكنائس الشرقية


اسدراس الأول (مثل عزرا لكن مع إضافة جزء)


X

المزمور 151

مقبول عند بعض الكنائس الشرقية


صلاة منسي

غير مقبولة


مزامير سليمان

ما هو موقنا وموقف الآخرين من هذه الأسفار؟

موقف اليهود: رأوا فائدة في قراءة هذه الأسفار إلا أنهم لم يحسبوها ضمن الأسفار الإلهية.  الترجمة السبعينية القت عليها لقب "أسفار تقرأ".

موقف أباء الكنيسة: اختلف الأباء حول هذه الأسفار.  لم يقبل أثناسيوس الرسولي (296-373 م) من هذه الأسفار إلا سفر باروخ وكان موقف كيرلس الأورشليمي (313-386 م) مثله.  هيرونيموس (347 – 420 م) الذي ترجم العهد القديم من العبري إلى اللاتيني لم يقبلهم على اعتبار أنهم لم يكتبوا بالعبري.  إلا أن القديس أغسطينوس اعتبر الترجمة السبعينية موحى بها فقبل أسفار القانون الثاني وكان لرأيه أثر بالغ في التاريخ.  ومع ذلك استمر الشك في قانونيتهم في القرون الوسطى ورفضهم المصلحين في القرن السادس عشر (إلا أن لوثر وضعهم في قسم خاص بين العهدين في ترجمته الألمانية للكتاب المقدس).

موقف الكنائس التقليدية: انظر الجدول أعلاه

موقف المحاضر: هذه الأسفار تحوي فوائد أدبية وروحية وتاريخية ويجب أن تقرأ.  لكني أقف مع الأباء الذين رفضوا قبولهم كوحي (أثناسيوس، كيرلس الأورشليمي، هيرونيموس) ومع المصلحين للأسباب الآتية:

·         هذه الأسفار كتبت قبل ميلاد المسيح على يد كتاب من اليهود.  الشعب اليهودي اعتبرها مفيدة وقرأها مثلما نقرأ كتب روحية أو تراثية اليوم لكنه لا يعتبرها كتب موحى بها.  هم أصحاب الشأن ورأيهم في هذه القضية هو الرأي الفيصلي.

·         يذكر سفر مكابيين الأول مرتين أن الشعب كان منتظر ظهور نبي يساعدهم على اتخاذ بعض القرارات الروحية (4: 46-48، 14: 41) وهذا يوحي أن في عصر المكابيين لم يكن هناك نبياً.

·         في مقدمة يشوع بن سيراخ يقول حفيده أن جده كان دارس للكتاب المقدس وبعد التعمق أراد أن يفيد الآخرين فدفعه "شعور داخلي لتأليف كتاب في التربية والحكمة" (1: 1-14). لا يدعي النبوة لجده!

·         في مكابيين الأول اصحاح 6 يقال أن الملك أنطيوخس أبيفانوس (القرن الثاني قبل الميلاد) مات نتيجة اليأس والمرض إلا أن في مكابيين الثاني الإصحاح الأول يقال أنه قتل في معبد وثني.

·         عدم وجود اجماع منذ القرون الأولى وحتى الآن مثير للدهشة والشك

·         الكنائس التقليدية غير متفقة مع بعضها البعض على الأسفار التي يجب قبولها فالكنائس الشرقية تقبل عدد أكبر من الأسفار عن الكنيسة الكاثوليكية.   فيوجد اختلاف في رأيهم بخصوص مكابيين الثالث واسدراس الأول ومزمور 151 وصلاة منسي.

قانونية العهد الجديد

o       قبل كتابة أي جزء من العهد الجديد كان تعليم الرسل منتشر ومعروف في أماكن كثيرة (قارن أعمال 2: 42).

o       يهوذا يسميه في رسالته "الإيمان المسلم مرة للقديسين" (ع 3)

o        في رسائله المبكرة لكنيسة تسالونيكي يقول بولس: "تمسكوا بالتعاليم التي تعلمتموها سواء كان بالكلام أم برسالتنا" (2 تس 2: 15، وأيضا قارن 3: 6)

o        في 1 كورنثوس 11: 2، 23، 15: 1-5 يقول بولس أنهم "تسلم" من الرب تعاليم قد "سلمها" للكنيسة قبل كتابة الرسالة

o       في رومية 6: 17 يقول بولس عن المؤمنين في روما أنهم أطاعوا من القلب "صورة التعليم التي تسلمتموها" قبل كتابة الرسالة وقبل زيارته لهم.  في 2 تي 1: 13 يقول بولس لتيموثاوس "تمسك بصورة الكلام الصحيح الذي سمعته منى".

o       يستخدم بولس ويهوذا مصطلح "استلام" الحقيقة من الرب و"تسليمه" للمؤمنين.  ما سُلم يعرف باسم "التعليم" أو "التقليد" في عصر العهد الجديد والأباء.

o       فالمسيحية بدأت يوم الخمسين بالعهد القديم وهذا التعليم الرسولي الذي مع الوقت كتب في أسفار العهد الجديد ولخص في "قانون إيمان" بدائي كان يسأل عنه كل مُعمد.  هذا القانون غالبا كان قريب جدا مما يعرف الآن باسم "قانون إيمان الرسل".

o       بحسب ما نعلم فإن المؤمنين الأوائل لم يكونوا مهتمين بتحديد "قانون" العهد الجديد بسبب امتلاكهم للعهد القديم وتعليم رسل المسيح (ملخص في قانون الإيمان).

o       لكن مع مرور الوقت وانتشار كتابات غير صحيحة بدأت عملية "فرز" هذه الكتابات لتحديد الصحيح منها وكانت المعايير في ذلك الفرز كالآتي:

§         هل الكتاب محل الشك يتفق مع تعليم الرسل المسلم إلينا؟
§         هل نعلم أن رسول من رسل المسيح أو أحد معاونيه كتبه؟
§         هل يقرأ هذا الكتاب في الكنائس المختلفة حول العالم أم أن مصداقيته محدودة؟

o       على ما يبدو استمر هذا الحوار بين الكنائس والأباء للقرن الرابع وحاول البعض اعتبار أسفار مثل الديداخي وراعي هرماس ورسالة برنابا أسفار قانونية وكان يدور بعض الشك في بعض الأوساط على رسالة يعقوب، بطرس الثانية، يوحنا الثانية والثالثة وسفر الرؤيا.  يوجد أيضاً نص تالف جزئياً يعرف باسم "القانون الموراتوي" من حوالي سنة 170 فيه أسماء الأسفار ماعدا العبرانيين، أحد رسايل يوحنا، بطرس الأولى والثانية، ويعقوب.  من حيث الاضافة فاضاف الكاتب "رؤية بطرس" لكنه اعترف أن ليس الجميع يقبلها.  يقول يوسابيوس القيصري حوالي 303 م أنه يوجد بعض الجدل حول يعقوب، يهوذا، بطرس الثانية، ويوحنا الثانية والثالثة لكنهم معروفين لغالبية الكنائس.  كان هناك إجماع على البشيرين الأربعة، سفر الأعمال ورسائل بولس.

o       من الهام للغاية الا نتناسى الصورة الكاملة لهذا الزمن وهذا الحوار حول الأسفار الذي يبدو لنا غريب ومقلق: أن المسيحية كانت نامية ومنتشرة في أول 3 قرون رغم الاضطهاد ورغم عدم وجود سلطة مركزية تحسم أمور مثل الأسفار المتفق عليها!  لم يكن العهد الجديد مجمع بين أيديهم لكن كان للمؤمنين "المسحة" من الروح القدس وكان لديهم "تعليم الرسل" (قانون الإيمان) وبهذا بشروا ومن أجله مات الكثيرون. 

o       يذكر القديس أثناسيوس في رسالة العيد لعام 367 م أسفار العهد الجديد كما هم بين أيدينا والعهد القديم بإضافة باروخ

o       كان الروح القدس الساكن في الكنيسة هو الذي أرشد هذه العملية لكي يهدي الأجيال اللاحقة بالعهد الجديد الكامل والمعصوم من الخطأ.   أي قانون إيمان أو تقليد يجب أن يتفق به لأنه هو الآن يمثل تعليم الرسل بشكل نهائي وكامل.





No comments:

Post a Comment