Monday, April 20, 2015

مرجع الإيمان المسيحي


هدفنا في هذه المقالات تقديم الإيمان المسيحي بأسلوب واضح ومبسط لكي يكون في تناول الجميع.  صلاتي أن الرب يستخدم هذه السلسلة في حياتك الشخصية وفي حياة كنيستك وفي حياة الذين تسعى لتلمذتهم على إيمان ربنا يسوع المسيح.   ليس هدف هذه المقالات الدخول في الأمور التي مازالت جدلية بين المسيحيين بل التركيز على الأساسيات الإيمانية بهدف البناء الروحي والتعليم في المحبة.

مرجع الإيمان المسيحي هو الكتاب المقدس الذي هو كلمة الله القادرة أن تحكمنا إلى الخلاص الذي بإيمان يسوع المسيح.  الكتاب موحى به من الله ويحوي كل الحقائق التي نحتاج إليها لكي نعرف الله ونعيش حياة الإيمان والخدمة (2 تيموثاوس 3: 15-17).

كلمة "الوحي" تعنى "نفس الله" في الأصل والفكرة أنه -أي الكتاب - أتى نتيجة "نفخة" إلهية.   في المفهوم المسيحي الوحي هو السجل الذي كتبه أنبياء العهد القديم ورسل العهد الجديد لكل الأحداث والحقائق والتسابيح التي أراد الله أن يعطيها لشعبه عبر الأجيال.  تم الوحي بعمل معجزي قام به الروح القدس في أشخاص أعدهم مسبقاً لهذه الخدمة الخاصة (ارميا 1: 4).  شكل الله شخصية الأنبياء والرسل وأعطاهم الثقافة والخبرات المختلفة التي رأى إنها تساعدهم في كتابة نبواتهم.  يقول الكتاب المقدس أن الروح القدس "حملهم" (2 بطرس 1: 21) أثناء التكلم والكتابة حتى كتبوا كلمات الله دون أن يتحولوا لآلات كاتبة بل قدموا الحق بطريقة عبرت عن إرادة الله وأيضاً عن ظروفهم وظروف المستمعين والقارئين. عمل الروح القدس فيهم هو "النفخة" أو "التنفس" التي من خلالها كتبوا أسفار الكتاب المقدس المختلفة والتي تحوي رسالة لكل الأجيال في جميع أنحاء العالم.

نستطيع إذا أن نقول أن الكتاب المقدس هو "تجسيد" لكلمة الله في كلمة البشر مثلما تجسد المسيح كلمة الله في طبيعة البشر.  فكما أن المسيح إله كامل وإنسان كامل دون الخطية هكذا الكتاب المقدس هو كلمة الله وكلمة الأنبياء والرسل دون خطأ في الأصل.  بالطبع حدثت بعض الأخطاء البسيطة في بعض المخطوطات أثناء عملية النسخ التي تمت مراراً عديدة منذ عصر الوحي لكننا نستطيع أن نتحقق من النص الأصلي من خلال مقارنة المئات والآلاف من المخطوطات المتاحة لنا. حفظ الله الكتاب المقدس عبر آلاف السنين لكي يكون النور الذي يقودنا لابنه ويساعدنا على النمو في النعمة.

نتعلم من الكتاب المقدس أن الله خلقنا على صورته بسبب محبته الفائقة.  عندما أساء أبوينا استخدام إرادتهم وأعطوا ولائهم للشيطان عوضاً عن الله تلوثت طبيعتهم وسقطوا في متاعب كثيرة إلا أن الله المحب وعد أن نسل المرأة سيأتي ليحررهم من إبليس (تكوين 3: 15).   كانت هذه أول بشارة أي أول إعلان عن أخبار الله المفرحة "الإنجيل".  في صفحات العهد القديم نرى تكرار وتوسع لهذا الوعد حيث كان الله يعد لمجيء المخلص.  فخطة الله مرت بعدة مراحل من الخلق للسقوط والطوفان ودعوة إبراهيم، إسحاق ويعقوب ثم خروج نسلهم بني إسرائيل من مصر ودخولهم أرض الموعد.  قطع الله معهم عهدا تمهيديا ليكون إلها لهم ولكي يعيشوا وفق وصايا هذا العهد وأيضاً لكي يأتي منهم المسيح. كان فشلهم في الولاء والطاعة جزء من خطة الله ليرى العالم أن التحرير من الخطية لا يأتي بالمجهود البشري بل بعمل الله الخلاصي.  جاء المسيح في ملء الزمان ليحقق الوعود ويصنع عهداً جديداً ويؤسس شعباً جديداً مكون من المؤمنين من اليهود ومن جميع الأمم على حد سواء.  كانت حياته وموته وقيامته بداية ملكوت الله الذي ينتشر الآن إلى أن يكتمل في النهاية حين يعود المسيح وتكون الخليقة الجديدة التي بدأها قد ظهرت في "أورشليم السماوية" في السماء الجديدة والأرض الجديدة.

الإيمان المسيحي مبنى على هذا القصد الهائل في التاريخ لكنه ليس مجرد سرد أحداث ولا مجموعة عقائد واخلاقيات بل هو علاقة مع الله من خلال المسيح،  علاقة تظهر في حياة جديدة مختلفة عن حياة البشر العادية.  إنها حياة المسيح نفسه التي أعطاها لنا.  من الملفت أن هناك من عاش ويعيش هذه الحياة دون القدرة على قراءة الكتاب المقدس أو حتى فهم الإيمان كاملاً بكل مراحله.  هذا لأن "الإنجيل" أي رسالة الله الفرحة هو قوة الله للخلاص حتى للذين سمعوها دون أن يروا الكتاب (رومية 1: 16).  نتذكر أن المسيحيين الأوائل لم يكن لديهم العهد الجديد إلا بعد عشرات السنين عندما تمت كتابته إلا أنهم آمنوا وبشروا بكلمة المسيح التي سمعوها منه ومن رسله وعاشوا الحياة الجديدة من خلال الروح القدس. 

لا نقصد أن نقلل من أهمية الكتاب المقدس فهو كنز في أيدينا ويضع علينا مسؤولية مضاعفة أن نعيش "الإنجيل" الذي يعلنه لنا.

ما هي رسالة "الإنجيل"؟  هي الرسالة أن الله أرسل ابنه يسوع المسيح الذي وعد به من قبل لكي ينقذنا من الخطية والموت والشيطان حتى نحيا فيه وله.  الإنجيل يعلن لنا غفران الخطايا والخليقة الجديدة والحياة الأبدية.  يطلب منا الإنجيل أن نتوب عن الخطية ونتحول إلى الله بإيمان نابع من القلب.  هذا التحول يعني إنكار الذات وحمل الصليب وتابعية المسيح الذي مات من أجل خطايانا وقام وسيأتي ثانية.  هذا هو الخلاص الذي يأتي تماماً من نعمة الله المجانية ولا يعطى لنا بسبب بر فينا إذ يعلمنا الإنجيل أننا خطاة ولا نستطيع أن نخلص أنفسنا في أي حال من الأحوال.  من عظمة نعمة الله أنها تغفر لنا وتقبلنا دون أعمال صالحة لكنها تعمل فينا بقوة لنعيش أعمال صالحة لمجد الفادي (أفسس 2: 8-10)!

هدف الإنجيل أن صورة المسيح الجميلة والتي خلقنا عليها تعود لنا تدريجياً وأن مجد الله يعلن فينا.  في باقي المقالات سنحاول شرح هذا الإيمان المسيحي بأكثر تفصيل.

أسئلة للتفكير والمناقشة:

1.     لماذا يعد الكتاب المقدس المرجع للإيمان المسيحي؟  قدم شاهد من العهد الجديد يظهر أن الوحي كامل ولا نحتاج لمصدر آخر للإيمان.

2.     اشرح معنى الوحي في المسيحية.  ترى لماذا لم يلغي الله شخصية وثقافة الأنبياء والرسل؟

3.     هل أعلن الله الإيمان كما نعرفه الآن دفعة واحدة؟  اشرح

4.     كثيرون يعتقدون أن المسيحية مجرد فكر أو اخلاق.  ماذا تقول لهم في ضوء هذا المقال؟

5.     اشرح رسالة "الإنجيل" في سطور قصيرة


No comments:

Post a Comment