Thursday, April 25, 2019

بماذا يحتفل المسيحيون في أسبوع الآلام؟


لقد سُمي الأسبوع الأخير قبل عيد القيامة  "أسبوع الآلام".  في الواقع هو أسبوع آلام مؤدية إلى انتصار عجيب.

بالنسبة لأغلب المسيحيين على مر التاريخ يعد هذا الأسبوع من أهم أسابيع السنة بل أهمهم. هذا لأننا نتذكر حدثين هما أساس الإيمان المسيحي: موت المسيح وقيامته. إلا أن هذين الحدثين محاطين في الإنجيل بظروف وأحداث أخرى توضح معناهما.

نبدأ سردنا بما يُسمى أحد السعف أو أحد الشعانين وهو تذكار لدخول يسوع المسيح إلى أورشليم لآخر مرة وكان هذا خمسة أيام قبل موته. عندما دخل المدينة في وقت عيد الفصح اليهودي كان يعلم جيداً ما ينتظره وما الذي ينوي أن يفعله لكن أتباعه وعامة الجماهير اليهودية ظنت أنه آت ليُخرج المحتل الروماني ويعيد تأسيس مملكة أبيه داود الساقطة منذ قرون. لهذا السبب قدموا له ترحيباً ملكياً إلا أنهم لم يفهموا أنه مقبل على عمل أخطر ألا وهو هزيمة الشيطان والتكفير عن الخطية وفتح مملكته السماوية لكل الشعوب وليس لليهود فقط. فكر عامة شعبه اليهودي فيما هو أرضي وسياسي وفيما يخصهم فقط ولم يستوعبوا أن في قلبه خطة أوسع بكثير سبق وتنبأ الله عنها في التوراة.

في الأيام الثلاثة التي تلت "أحد السعف" طرد المسيح الباعة من هيكل أورشليم وحذر أنه سيُهدم نتيجة رفض الأمة اليهودية له وبالبفعل تمت هذه النبوة عام 70 ميلادياً أي بعد 40 سنة من أحداث الصليب والقيامة وكان هذا الدمار على أيدي الرومان. زاد التوتر بين المسيح وبين قادة اليهود الذين خافوا من شعبيته المتصاعدة نتيجة معجزاته التي لم يستطع أحد إنكارها. حاولوا ايقاعه في زلة تُمسك عليه لكنهم لم يجدوا ذلك ولم يجدوا فرصة للقبض عليه بين جموع المعيدين اليهود الذين كانوا منبهرين به.

في يوم الخميس من "أسبوع الآلام" هذا احتفل المسيح بالفصح اليهودي مع تلاميذه ووعدهم أن بعد عودته للآب السماوي سيرسل لهم الروح القدس الذي سيسكن فيهم ويقودهم في عملهم إلى أن يعود في المستقبل. أثناء احتفاله بالفصح طلب من تلاميذه من ذلك الوقت فصاعداً "التناول" من الخبز والكأس قائلاً إن الخبز هو جسده المكسور من أجلهم والكأس دمه المسفوك من أجل مغفرة خطايا الكثيرين. أشار أثناء هذا العشاء الأخير للعهد الجديد الذي تنبأ عنه الأنبياء منذ مئات السنين والذي يقابل ويفوق العهد الذي كان الله قد قطعه مع شعب إسرائيل عندما أنقذهم من أرض مصر وأمرهم برش دم خروف الفصح على بيوتهم حتى لا يُفنوا مع أبكار المصريين. كان الفصح الأول أيام موسى صورة مصغرة لما تم في المسيح بشكل أعظم ولذلك تسمى هذه اللية "خميس العهد". فهم التلاميذ بعد القيامة إن الله يقيم عهداً أبدياً مع كل الذين يقبلون فداء المسيح.

في الساعات التي تلت العشاء الأخير ذهب المسيح إلى بستان قريب من أروشليم ليصلي وكان قد دبر يهوذا الخائن أن يقود قادة اليهود للقبض عليه في هذا المكان البعيد عن الجماهير لتجنب البلبلة والاضطرابات المحتملة. حاول بطرس أحد تلاميذه الدفاع عنه بالسيف لكن أمره المسيح ألا يفعل ذلك مذكراً إياه أنه جاء ليتألم وأن بإمكانه أن يطلب من الآب آلاف الملائكة لإنقاذه.

بدأت محاكمته الظالمة فجر يوم "الجمعة العظيمة" ووجد رؤساء الكهنة اليهود صعوبة في إيجاد شاهدين متفقين مع بعضهما البعض. في النهاية جاء شاهدان زور وادّعا كاذبين أن المسيح قال إنه سينقض الهيكل بنفسه. بناء على هذه الشهادة الباطلة أسلموه للحاكم الروماني على فلسطين الذي لم يجد فيه علة تستدعي الإعدام. إلا أن رؤساء اليهود حرضوا الجماهير عليه فطالبوا هم أيضاً بصلبه لأنهم استنتجوا أنه طالما تم القبض عليه من الأعداء لا يمكن أن يكون الملك المنتظر. فتم الضغط على الحاكم الروماني ووقعت الجريمة.

إن صلب المسيح أكبر جريمة في التاريخ إلا أن الله في حكمته العظيمة وبسبب محبته كان قد قصد مسبقاً أن يفدي العالم ويهزم الشيطان بموت المسيح وقيامته. منذ وقت عصيان آدم في الجنة كان الجنس البشري تحت سيطرة الشيطان هذا لأننا في شخص آدم أبينا كنا قد سلمنا حياتنا لتباعيته فدخلت الخطية قلوبنا والموت أجسادنا. كيف ننقذ من كل هذا؟ حتى التوبة لم نتسطع أن نقدمها لأننا أحببنا الشر وكنا قد سميناه الخير. ومع ذلك كنا في حالة ظلام وخوف في مملكة إبليس المليئة بالكراهية والأنانية والقتل والشعوذة والاغتصاب. كلام الله على لسان الأنبياء لم يكن كافياً لفك العبودية وتطهير قلوبنا.

كان لابد أن يأتي إنساناً باراًغير ملوث بخطايا الجنس البشري لينقذ إخوته. لكن كيف يأتي هذا الإنسان والكل قد أصيب بالداء الذي بدأ بعصيان آدم؟  كلنا نؤمن أن آدم خرج من الجنة نتيجة هذا العصيان ولم يعد إليها ولا عاد إليها أولاده. إذن الجميع تحت الدينونة. من إذن يستطيع أن يخرجنا من العبودية والدينونة؟ حتى شريعة الله الذي أعطاها على يد النبي موسى لم تنقذ الشعب اليهودي بل معها ازدادوا في شرورهم حتى صلبوا المخلص البار واعتبروا ذلك خير.  

عندما صار المسيح إنساناً بطريقة معجزية— بولادته من العذراء مريم —جاء بدون الخطية وقد حاول الشيطان بكل الطرق أن يوقعه في العصيان كما فعل مع آدم ومع جميعنا. لكن كان المسيح خاصعاً لله الآب وأطاعه تماماً حتى في إرادة الآب أن يموت. فشل الشيطان في مخططه فكان موت المسيح البار وقيامته دينونة عليه (أي على الشيطان) تمهيداً لإلقائه في نار جهنم عند عودة المسيح.

ظهر شر الإنسان وقت صلب المسيح بطريقة بشعة فأراد الله أن يضع كل خطايانا على ابنه المعلق على الصليب لكي يدينها ويطهرنا منها. لم تكن في يسوع المسيح أدنى خطية ولم يمت بسبب عيب فيه لكنه قدم حياته الطاهرة ذبيحة كفارية من أجلنا مثل ما حدث بشكل مصغرا جداًوقت االخروج من مصر عندما احتمى شعب بني إسرائيل تحت دم خروف الفصح وتم انقاذهم من عبودية الفرعون. إنها حكمة إلهية تفوق العقل ومحبة لا نتسطيع استيعابها أنه في المسيح البار تتم الدينونة على خطيتنا وعلى إبليس.  نتيجة هذه الدينونة التي تمت فيه هو المطيع لا تبقى دينونة علينا نحن الخطاة الذين نحتمي فيه بالإيمان.

أرتضى المسيح طوعاً أن يدخل في معركة مع الشيطان لكي ينقذنا منه ويطهرنا من الخطية التي كان الشيطان هو السبب فيها أصلاً. لا نفهم أعماق ما حدث لكن كل من آمن بالمسيج اختبر التحرير من الخوف ومن سيطرة الشيطان والخطية على حياته.

غابت الشمس يوم الجمعة العظيمة في عز النهار لمدة ثلاثة ساعات وتزلزلت الأرض وفُتحت القبور. حجاب الهيكل الذي كان يمنع دخول أي إنسان إلى "قدس الأقداس" إلا مرة في السنة تم تمزيقه من الأعلى للأسفل بيد غير مرئية مظهراً الله بهذا الرمز أن الطريق إليه صار مفتوحاً للجميع دون عقبة أو مانع. 

دُفن المسيح في قبر جديد منحوت في كهف وتم وضع حجر كبير عليه وحراسة عسكرية لمنع تلاميذه من سرقة الجثة والإدعاء أنه قام من الأموات كما تنبأ.

إلا أن فجر يوم الأحد أي في اليوم الثالث بعد وفاته وأسبوع بعد دخوله إلى أورشليم قام المسيح بجسده من القبر ولم يترك هناك سوا الكفن. نحتفل بهذا الحدث الكبير في عيد القيامة الذي دائماً يكون يوم الأحد. ظهر المسيح عدة مرات لمجموعات من تلاميذه في أماكن مختلفة وفي ظروف مختلفة حتى أنه أكل معهم (لوقا 24: 42-43)! لم يعثر أحد إلى هذا اليوم على جسده لأنه صعد إلى السماء بعد 40 يوماً من القيامة.

لقد أقامه الله من الأموات ليظهر بره وينقض الظلم الذي وقع عليه وليقبل الذبيحة التي قدمها عنا. إنه قام بنفس الجسد المصلوب لكنه الآن غير قابل للموت. كان موته لأجلنا وهكذا أيضاً قيامته. يعلمنا الإنجيل أن عمله سيؤدي لتجديد الطبيعة نفسها عند عودته في المستقبل. هذا هو ما نحتفل به في هذا الأسبوع مدركين في الأحداث محبة وقوة إلهية تعملان رغم الشر وحتى بالشر لتحقق مقاصدها العادلة (انظر أعمال الرسل 2: 23-24؛ 3: 17-18).

(عزيزي القارئ:  كل الأفكار في هذا المقال مستمدة من آيات في الكتاب المقدس وقد ذكرنا القليل منها.  لو أردت معرفة المزيد عن الأماكن الكتابية التي أتت منها الأفكار رجاء طلب ذلك من الكاتب).


Wednesday, April 24, 2019

ماذا عن الذين ماتوا قبل زمن المسيح؟



يحاسب الله الناس حسب كم المعرفة المتوفرة لديهم.  كل الناس في جميع أنحاء العالم وأثناء كل العصور يرون أعمال الله في الطبيعة ويشعرون بإرادته في داخلهم.  فالإنسان مطالب أن يبحث عن الله حتى لو لم تصله كلمة نبوية أو وحي إلهي.  كان لليهود أنبياء قبل المسيح ومن خلالهم طالبهم الله أن يؤمنوا به وبوعوده عن المخلص القادم.   أحياناً نرى أن الله أرسل أنبياء من بين شعبه للأمم المجاورة كما نرى في قصة يونان (يونس) وفي هذه الحالات طلب الله التجاوب مع رسالته.  أما عن باقي الأمم فالكتاب المقدس يقول أن الله ترك الشعوب تسلك في طريقها قبل ميلاد المسيح مع أنه كما قلنا من قبل كان يشهد لهم من خلال خيرات الحياة (أعمال 14: 16).  فلم "يتركهم" بالكامل بل كان يتعامل معهم لأنه خالقهم.  أما بعد نزول المسيح من السماء وبعد موته وقيامته من الأموات تغير الوضع تماماً فأمر الله أن هذا الخبر العجيب ينتشر بين كل الأمم ليؤمنوا به وكان. هذا ما قاله ممثل المسيح في أثينا بعد القيامة:  "اللهُ الآنَ يَأْمُرُ جَمِيعَ النَّاسِ فِي كُلِّ مَكَانٍ أَنْ يَتُوبُوا، مُتَغَاضِيًا عَنْ أَزْمِنَةِ الْجَهْلِ" (أعمال 17: 30).  كان هناك أزمنة جهل والله تعامل معها بعدله ومحبته وحكمته لكننا الآن قد سمعنا خبر محبة المسيح وانتصاره على الخطية والشيطان فماذا نحن فاعلون به؟

Wednesday, April 17, 2019

لو أردت أن تقرأ المزيد

يوجد على صفحتي الرسمية على الفيس بوك مزيد من المقالات

Emad Azmi Mikhail

Monday, April 15, 2019

التبرير


التبرير
بقلم د. عماد عزمي
إن رسالة الإنجيل قوية جدًا لأنها تأتي من الله بنفس القوة التي أظهرها الله في قيامة المسيح من الأموات (رومية 1: 4، 16؛ 4: 24-25؛ غلاطية 2: 20-21؛ فيلبي 3: 9-10). لخص الرسول بولس رسالة الإنجيل في 1 كورنثوس 15: 1-4 هكذا:
وَأُعَرِّفُكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ بِالإِنْجِيلِ الَّذِي بَشَّرْتُكُمْ بِهِ، وَقَبِلْتُمُوهُ، وَتَقُومُونَ فِيهِ،
وَبِهِ أَيْضًا تَخْلُصُونَ، إِنْ كُنْتُمْ تَذْكُرُونَ أَيُّ كَلاَمٍ بَشَّرْتُكُمْ بِهِ. إِلاَّ إِذَا كُنْتُمْ قَدْ آمَنْتُمْ عَبَثًا!
فَإِنَّنِي سَلَّمْتُ إِلَيْكُمْ فِي الأَوَّلِ مَا قَبِلْتُهُ أَنَا أَيْضًا: أَنَّ الْمَسِيحَ مَاتَ مِنْ أَجْلِ خَطَايَانَا حَسَبَ الْكُتُبِ،
وَأَنَّهُ دُفِنَ، وَأَنَّهُ قَامَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ حَسَبَ الْكُتُبِ.
يُكمل بولس ويذكّر الكنيسة في كورنثوس أن المسيح المُقام ظهر لتلاميذه ولأكثر من 500 مؤمن دفعة واحدة بعد القيامة ليؤكد لهم أنه مات وقام فعلاً بالجسد الذي مازال يحتفظ بجروح صلبه.  يقول بولس أن الذين آمنوا إيمانًا حقيقيًا بهذا الإنجيل يخلصون. ماذا يعني بالخلاص؟ يتحدث الرسول بولس عن الخلاص في رسالة رومية من منطلق "التبرير" الذي يأتي من كلمة "بر".  لاحظ الربط بين الخلاص والبر في رومية 1: 16-17:
لأَنِّي لَسْتُ أَسْتَحِي بِإِنْجِيلِ الْمَسِيحِ، لأَنَّهُ قُوَّةُ اللهِ لِلْخَلاَصِ لِكُلِّ مَنْ يُؤْمِنُ: لِلْيَهُودِيِّ أَوَّلاً ثُمَّ لِلْيُونَانِيِّ.
لأَنْ فِيهِ مُعْلَنٌ بِرُّ اللهِ بِإِيمَانٍ، لإِيمَانٍ، كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: «أَمَّا الْبَارُّ فَبِالإِيمَانِ يَحْيَا».
إن الإنجيل قوة الله للخلاص لأن فيه معلن بر الله!  كيف يُعلن الإنجيل بر الله؟
أولاً: يعلن الإنجيل أن الله يرفض الخطية تمامًا ولابد أن يعاقبها.هذا ما يشير له بولس في العدد التالي للفقرة المقتبسة أعلاه (رومية 1: 18)
لأَنَّ غَضَبَ اللهِ مُعْلَنٌ مِنَ السَّمَاءِ عَلَى جَمِيعِ فُجُورِ النَّاسِ وَإِثْمِهِمِ، الَّذِينَ يَحْجِزُونَ الْحَقَّ بِالإِثْمِ.
لا يمكن أن يكون الله بارًا وقدوسًا إن لم يعاقب الخطية. مرت عصور طويلة قبل وقت المسيح وارتكب البشر شرور كثيرة والله لم يعاقبهم عليها بطريقة واضحة إلا في حالات استثنائية مثل الطوفان وقت نوح. فكان هناك سؤال: ألا يبالي الله بالخطية؟ هل يتركها هكذا للأبد؟ ولكن عندما مات المسيح أعلن الله بره — أي رفضه للشر الذي شوّه خليقته وأدّى إلى مآسي كثيرة. هذا لأن الله عاقب الخطية في شخص المسيح المصلوب كما قال بولس في رومية 8: 3.
". . . فَاللهُ إِذْ أَرْسَلَ ابْنَهُ فِي شِبْهِ جَسَدِ الْخَطِيَّةِ، وَلأَجْلِ الْخَطِيَّةِ، دَانَ الْخَطِيَّةَ فِي الْجَسَدِ."
إنها حقيقة مزهلة أن الله "دان الخطية في جسد" ابنه الذي مات كفارة لأجلنا وأزال الغضب الإلهي عن المؤمنين (قارن أيضًا رومية 3: 25-26).
ثانيًا: يعلن الإنجيل لنا أن ابن الله هذا عاش حياة البر كاملة! فهو صار إنسانًا من نسل داود (رومية 1: 3) وفعل عكس كل الناس! فأبونا آدم كسر وصية ربنا ونتيجة ذلك نحن أبناؤه نسلك في نفس طريق العصيان المؤدي إلى الموت. أما المسيح فهو الوحيد الذي عاش حياة البر طوال حياته على الأرض إلى الصليب (فيلبي 2: 8). لذلك فكانت تقدمة موته الكفاري للآب مرضية ومقدسة وكان جسده مُهيّأ لإدانة الخطية. يقول بولس في رومية 5: 19:
لأَنَّهُ كَمَا بِمَعْصِيَةِ الإِنْسَانِ الْوَاحِدِ جُعِلَ الْكَثِيرُونَ خُطَاةً، هكَذَا أَيْضًا بِإِطَاعَةِ الْوَاحِدِ سَيُجْعَلُ الْكَثِيرُونَ أَبْرَارًا.

ثالثًا:  يعلن الإنجيل نعمة الله لأن كل من يؤمن بالمسيح "يتبرر" أي ينال بر المسيح الذي يحسبه الله للخاطئ بالإيمان.
يكمل بولس حديثه في رومية 5 عن التبرير ويشرح ما قاله في عدد 19 في الأعداد 20-21:
وَأَمَّا النَّامُوسُ فَدَخَلَ لِكَيْ تَكْثُرَ الْخَطِيَّةُ. وَلكِنْ حَيْثُ كَثُرَتِ الْخَطِيَّةُ ازْدَادَتِ النِّعْمَةُ جِدًّا
حَتَّى كَمَا مَلَكَتِ الْخَطِيَّةُ فِي الْمَوْتِ، هكَذَا تَمْلِكُ النِّعْمَةُ بِالْبِرِّ، لِلْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ، بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ رَبِّنَا.
كان أغلب اليهود وقت بولس يعتقدون أن البر يأتي بسماعهم للناموس (الشريعة) وقيامهم بالأعمال التي أوصى الله بها، خاصة الختان. ظنوا أنهم مقبولين لدى الله لأنه أعطاهم شريعته مع باقي الامتيازات التي يذكرها بولس في رومية 9: 4-5. لكنهم تجاهلوا أن إعطاء الشريعة سبّب تكاثر للخطية وليس للبر!  وصايا الله—مع أنها مقدسة وصالحة—تنشئ فينا كخطاة مزيدًا من العصيان وبالتالي مزيدًا من غضب الله (انظر رومية 4: 15؛ 7: 7-13). للآسف الشديد مازال الكثيرون اليوم يعتقدون أن أعمالهم وتديّنهم سوف يأتي بهم إلى الله وإلى الحياة الأبدية، أما الإنجيل فيعلن أن التبرير هو عطية مجانيّة من الله ولا يستحقها أحدٌ على الإطلاق (قارن أيضًا ما يقوله في أفسس 2: 8-9). إن الله يقبلنا لا في أشخاصنا بل في شخص ابنه المحبوب الذي يصير برنا بالتمام فيعود كل المجد لله وحده (1 كورنثوس 1: 30؛ أفسس 1: 3-7).
لا يعني هذا أن المؤمنين المُبرّرين يسلكون حسب أهوائهم كما سلكوا قبل الإيمان. صحيح أنهم نالوا بر المسيح بالإيمان بدون الأعمال عندما قبلوا المسيح وهذا لم يكن "منهم" بل هو "عطية الله". نعم التبرير قد تم (رومية 5: 1) باتحاد المؤمن بالمسيح بواسطة الروح القدس فصار المؤمن إنسانًا جديدًا. هو الآن مُحرّر من الخطية التي كانت تقيّده من قبل فلا يمكن أن يسلك كما سلك، بل تبدأ فيه عملية التغيير التي تستغرق الحياة كلها وتنتهي بالمجد عندما يعود المسيح. ليست هذه العملية هي التبرير بل التبرير هو الذي فتح الباب لها. فعملية التقديس المستمرة طوال حياة المؤمن تنبع من حقيقة أنه أصبح بارًا بفضل بر المسيح المُحتسب له بالإيمان وحده.
عزيزي إن الله أعلن بره في معاقبة الخطية في شخص ابنه البار لكن ننال نحن—مهما كانت خطايانا — غفران الخطايا والخلاص في يسوع المسيح كما يقول بولس في 2 كورنثوس 5: 21:
لأَنَّهُ جَعَلَ (أي الآب) الَّذِي لَمْ يَعْرِفْ خَطِيَّةً (أي المسيح)، خَطِيَّةً لأَجْلِنَا، لِنَصِيرَ نَحْنُ بِرَّ اللهِ فِيهِ.
هذه نعمة لا نستحقها على الإطلاق وتأتي لنا بقوة القيامة وبقوة روح الله لتغيّر علاقتنا مع الله وتعيد تشكيل حياتنا برمتها. هذا ما يوضحه بولس في رومية 5: 1-5:
فَإِذْ قَدْ تَبَرَّرْنَا بِالإِيمَانِ لَنَا سَلاَمٌ مَعَ اللهِ بِرَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ،الَّذِي بِهِ أَيْضًا قَدْ صَارَ لَنَا الدُّخُولُ بِالإِيمَانِ، إِلَى هذِهِ النِّعْمَةِ الَّتِي نَحْنُ فِيهَا مُقِيمُونَ، وَنَفْتَخِرُ عَلَى رَجَاءِ مَجْدِ اللهِ. وَلَيْسَ ذلِكَ فَقَطْ، بَلْ نَفْتَخِرُ أَيْضًا فِي الضِّيقَاتِ، عَالِمِينَ أَنَّ الضِّيقَ يُنْشِئُ صَبْرًا، وَالصَّبْرُ تَزْكِيَةً، وَالتَّزْكِيَةُ رَجَاءً،وَالرَّجَاءُ لاَ يُخْزِي، لأَنَّ مَحَبَّةَ اللهِ قَدِ انْسَكَبَتْ فِي قُلُوبِنَا بِالرُّوحِ الْقُدُسِ الْمُعْطَى لَنَا.
إذًا فالتبرير يمنحنا السلام والاقتراب إلى الله وبفضله تنسكب محبة الله بالروح القدس في قلوبنا. ببر المسيح المُعطى لنا نواجه الصعاب بل تكون الصعاب أداة في يد الله لتعزيز رجائنا أن الله لن يتركنا حتى يأتي بنا لمجده الأبدي.

Friday, June 22, 2018

هل تم الخلاص أم ليس بعد؟

للرب خطة عظيمة يفرح بها كل مؤمن ألا وهي خطة الخلاص.  جاء المسيح بحب عظيم لعالمنا ليُخلصنا من الشر والموت والشيطان. نحن نعرف أننا بالإيمان بدمه قد نلنا غفران الخطايا، ونعرف أيضًا أننا تبررنا فيه ونلنا حياة جديدة بقوة روح الله القدوس. وللمؤمن ثقة أن بعد موته سيكون في محضر المسيح.

 من هذا المنطلق يبدو أن خطة الخلاص تمت بالفعل ولا نحتاج لشئ آخر.   لكن علينا ألا نتسرع وننسى الآتي:

-نحن المؤمنون مازلنا نُصارع الخطية، بالرغم من كوننا  قد مُتنا عنها مع المسيح (رومية ٦: ١-٧).
-نحن المؤمنون نمرض، بالرغم من أن الكتاب المقدس يقول "بحبره شُفينا" (إشعياء ٥٣: ٥).
-نحن المؤمنون أيضًا نموت، بالرغم من أننا قد ورثنا الحياة الأبدية مع المسيح المقام (١ بطرس ١: ٣-٤).

 فلماذا إذًا نُصارع، ونمرض، ونضعف، ونموت، لو أن الخلاص قد اكتمل؟

مع العلم أيضًا أن خطة الخلاص لو فهمناها بدقة لا تشمل البشر فقط، بل الطبيعة نفسها، بدليل أيات مثل الآتي (لاحظ الكلمات التي ركزنا عليها):

-          "طوبى للودعاء لأنهم يرثون الأرض" (متى ٥: ٥)
-          "لأن الخليقة نفسها ستُعتق من عبودية الفساد إلى حرية مجد أولاد الله (رومية ٨: ٢١)
-          "ثم رأيت سماء جديدة وأرضاً جديدة" (رؤيا ٢١: ١)

هذه الحقيقة منطقية جدًا، لأن الله هو الذي خلق الطبيعة ويحبها. يشيد مزمور ١٠٤ بعناية الرب للأرض، حتى أنه يُعلن أن الروح القدس يتعامل مع الطبيعة بالبركة (عدد ٣٠)!  والطبيعة تهتف وتعبد إلهها الخالق الأمين (إشعياء ٥٥: ١٢؛ رؤيا ٥: ١٣).  إن كانت الأرض قد لُعنت بسبب خطية آدم (تكوين ٣: ١٧) فهي ستُحرر من هذه اللعنة عندما ننال المجد في آدم الثاني ربنا يسوع المسيح.  هذا ما يقوله الرسول بولس بالوحي في رومية ٨ المشار إليها أعلاه (قارن أيضًا كولوسي ١: ٢٠ في سياقها).  إذن نفهم أنه كما يُجدد الله الإنسان القديم ويسميه "إنسان جديد"، هكذا سيُجدد الطبيعة ويسميها سماء جديدة وأرض جديدة.

لكننا لو نظرنا للطبيعة وحال العالم الآن من الواضح أن يوم الحرية والمجد لم يأتي بعد!!  فهناك تلوث، وبراكين، وزلازل، وأعاصير ولذلك نقول إن "خلاص" الطبيعة لم يكتمل بعد على أرض الواقع.

فمن ناحية الخلاص تم، ومن ناحية لم يتم.  أو ما هو أدق نقول إنه قد تم لكنه لم يكتمل بعد.  سنفهم كل هذا أكثر لو استوعبنا أن خطة الله للخلاص خطة مرحلية ولها حقب تاريخية لابد أن تتم في تسلسل معين.  هذا تعليم الكتاب المقدس الواضح، وليس مجرد أماني المؤمنين أو تخمينات العلماء.

خطة الله في الأساس كانت أن يضع صورة ابنه يسوع المسيح الرائعة علينا، فيراه فينا ونحن نراه في المسيح.  لو لم يُخطيء البشر، كنا عشنا مع الله ومع بعضنا البعض في انسجام ومحبة، دون كراهية ولا حقد ولا ألم ولا مرض.  من الصعب تصور كل أبعاد الحياة الجميلة التي كنا سنتمتع بها في الله ومعه في حالة عدم وجود الخطية.  لكن كما نعلم أن الإنسان أخطأ والسؤال الذي يراود الكثيرين هو: "لماذا لم يضمن الله صمود آدم في الطاعة والبر؟  لماذا لم يحمي خطته من الفشل؟  (أنظر أيضاً مقالنا عن "ماذا حدث في السقوط")

هذا السؤال هام للغاية، ولابد أن نفكر فيه بعمق. السبب هو أن الله لم يخلقنا كالحيوانات أو كالنباتات لكنه خلقنا مثله هو بفكر ومشاعر وإرادة (تكوين ١: ٢٦).   بالطبع كان الله قادر أن يخلق إنسان يطيعه على الدوام، ويحبه بلا انقطاع لكن ما معنى الحب والطاعة حينما يكونا مقيدين؟  المحب لابد أن يختار الحب ولا يُجبر عليه!  لذلك كان من الضروري أن نكون نحن البشر أحرارًا في قرارتنا نحو الله أي أن نكون مُخيرين لا مُسيرين، والا تحولت الخطة الإلهية لمسرحية هزلية.  من غير المعقول أن يصنعنا الله على صورته ويحجب عنا إمكانية صنع القرارات الأدبية.

يقول البعض أن الأب والأم الصالحين يحميان أولادهما من الخطر.  وبالفعل الله أعطى آدم وحواء إمكانية الفهم والطاعة وحذرهم مُسبقًا ووضعهم في جنة جميلة.   أعطاهم أيضًا بركات وفيرة وكل شجر الجنة ليأكلوا منها فلم يتركهم فريسة ولا بأدنى نقص أو احتياج.  أعطاهم فرصة للتجاوب معه، للوصول للنضوج من خلال الطاعة وتحمل المسئولية وهذا ما ينبغي أن نفعله مع أولادنا أيضًا.  لو كان آدم استمر في الطاعة لكان ارتفع هو وحواء في علاقتهما مع الله.  بمعنى أنهما بعد فترة يكونا قد اجتازا الاختبار، واثبتا عمليًا وشخصيًا أنهم يريدون معرفة الله.

للأسف فشل أبوينا في الاختبار، ولم يثبتوا في محبة الله بل صدقا صوت الشرير الذي أغراهم أن يكونا آلهة.   فهل فشلت خطة الله بفشل آدم وحواء؟  بالطبع لا،  خطة الله لم تفشل بل أخذت شكلًا مختلفًا، أي شكل الاسترداد أي أن الله أظهر عزمه على استرداد الإنسان للقصد الأول، وأيضًا رغبته في انقاذ الطبيعة.  الاسترداد هو الخلاص أي أن الله يرد ما قد هلك (انظر لوقا ١٩: ١٠، أعمال ٣: ١٨-٢٦).  بسبب رحمته الكبيرة لم يفني العصاة، ولا بدأ خطة جديدة بدونهما بل أعلن أن من خلال نسل المرأة سيأتي من سينتصر على الشيطان، ويُعيد الحياة للمسار الأصلي أو إلى ما هو أفضل (تكوين ٣: ١٥).  هذا أول وعد بالمُخلص وبالخلاص، وفي العصور قبل مجيئه أضاف الرب وعود كثيرة من أهمها أن المُخلص سيأتي من نسل إبراهيم وإسحاق ويعقوب وتتبارك فيه كل شعوب الأرض (تكوين ١٢: ٣).

 فترة ما بعد سقوط آدم وحتى ميلاد المسيح، هي مرحلة الوعد "برد كل شئ"، والاستعداد لتنفيذ هذه الوعود الهائلة. لأن الله وعد أن المخلص لابد وأن يأتي من نسل المرأة - أي من البشر - كان من الضروري أن تكون له أسرة وأُمة.   فاختار نسل يعقوب، وصنع منهم أُمة يأتي منها الأنبياء، ويأتي منها ابنه المتجسد.   عندما عصى بني إسرائيل وعد أن الله سيردهم هم أيضًا،  ووعد أنه سيأتي بالأمم للبر والإيمان (مزمور ٨٦: ٩؛ إشعياء ٢: ٢)، وأن خلاصه سيمتد لأقاصي الأرض (إشعياء ٤٩: ٦).   العهد القديم يرسم صورة لمملكة المسيح العالمية التي وعد أنها ستأتي يومًا ما (مزمور ٧٢، إشعياء ١١).  انتظر المؤمنون من شعب بني إسرائيل تحقيق هذه الوعود بفارغ الصبر، كما نرى في المزامير وفي نشيد زكريا (لوقا ١).

بعد انتظار طال قرون، وأمل بدى أنه مفقودًا، صنع الله أمرًا عجيبًا في القرن الأول الميلادي، أخيرًا أرسل الله ابنه الوحيد ليكون نسل المرأة ونسل إبراهيم الموعود. أخيرًا بدأ يُحقق وعوده القديمة، وكان ذلك تقريبًا ألفي عام بعد وعده لإبراهيم وأكثر من ذلك بكثير منذ وعده في تكوين ٣: ١٥.   للرب توقيتاته، وهو يعمل حسب حكمته الفائقة وليس حسب توقعاتنا نحن البشر. 

هناك آيات كثيرة في العهد الجديد تعلن أن مرحلة التحقيق بدأت بقدوم يسوع المسيح إلى عالمنا.  من بين هذه الآيات: متى ١: ٢٢-٢٣ وتصريحات مماثلة في بشارة متى، مرقس ١: ٢-٣، لوقا ١: ٥٤-٥٥، ٦٨-٧٥، أعمال ٣: ١٧-٢٦، رومية ١: ٢، ١٥: ٨-١٢، إلخ.  إذًا لن نستطيع استيعاب ما فعله المسيح إلا في ضوء ما هو مكتوب في العهد القديم.  لم يأتي المسيح ليبدأ خطة جديدة، بل جاء ليُحقق الخطة الموضوعة من قبل، ألا وهي استرداد الخليقة والبشرية.

فعل ذلك المسيح عن طريق كل الآتي:

-حياته البارة وطاعته للآب السماوي (متى ٣: ١٥).
-معجزاته وطرده للشياطين (متى ١٢: ٢٨).
-موته على الصليب حينما أدان الله الخطية (رومية ٨: ٣).
-قيامته في اليوم الثالث (١ بطرس ١: ٣).
-صعوده بعد ٤٠ يوم وجلوسه عن يمين الله الآب (أعمال ٢: ٣٣-٣٤).

بالطبع هناك الكثير من التفاصيل والشرح لهذه الأمور، لكن هذا ليس هدفنا الرئيسي الآن (انظر المقال عن "التجسد").  يكفينا أن نقول إن الله تكلم عن كل هذه الأحداث في العهد القديم، وحققها المسيح لكي يقضي على الخطية والشيطان والموت، فيُجددنا ويُجدد العالم.  كل هذه تمثل بداية مرحلة التحقيق، والتي سوف تستمر حتى ظهور المسيح في المجد عند مجيئه الثاني. فالمسيح حقق فداءً أبديًا، لكنه ينتظر الآتي: (١) انتشار رسالة هذا الفداء بين كل الأمم (متى ٢٤: ١٤، ٢٨: ١٨-٢٠) وأيضًا (٢) إخضاع كل أعداءه تحت قدميه حسب وعد الآب له في مزمور ١١٠: ١ والمُكرر عدة مرات في العهد الجديد.  

في المستقبل وبعد فترة من الشر غير المسبوق سيظهر المسيح في السحب ويفعل الآتي:

-          يُدمر آخر خطة شيطانية متمثلة في الوحش الذي هو ضد المسيح وفي النبي الكذاب.
-          يُقيم الموتى، ويُعطي المؤمنين أجسادًا جديدة مثل جسد مجده.
-          يُدين الأحياء والأموات.
-          يُلقي الشيطان في بحرية النار.

 في هذه اللحظة المستقبلية، سنكون قد دخلنا مرحلة الاكتمال، تلك التي ليس فيها شر، ولا آلم، ولا موت، ولا صراع مع الخطية والأشرار.  إنها لحظة فداء أجسادنا، أي أن أجسادنا إلى الآن مفدية مبدئيًا لكنها غير مفدية بالفعل (رومية ٨: ٢٣). هي لحظة لقاؤنا معه ومع شعبه من كل العصور.  

نحن نعيش الآن في مرحلة التحقيق ولا نعلم متى ستكتمل خطة الله لكننا واثقون أنه كما حقق وعوده إلى الآن سيكمل إلى يوم يسوع المسيح.

من الملفت أن خلاصنا يأتينا على المستوى الشخصي في ثلاثة مراحل أيضاً:  (١) ينال كل من يؤمن الغفران والحياة الأبدية و(٢) يبدأ الجهاد بقوة الله ليتمم خلاصه بخوف ورعدة حتى (٣) يأتي الخلاص الكامل في المستقبل ومعه المجد الأبدي.

نعم الخلاص قد تم، لكنه يكتمل في هذه اللحظة المستقبلية.  فقد جاء المسيح المرة الأولى ليؤسس ملكوته، وهو يبنيه الآن، وسيُكمله حينما يظهر المرة الثانية. عندما نراه كما هو عيانًا،  سيكون الله قد حقق خطته الأصلية التي بدأت في جنة عدن (رؤيا ٢١: ١-٨).

أسئلة:

1.      ما هو الاسترداد؟ دعم اجابتك بشواهد كتابية.

2.      ما هي أهم وعود الله قبل ميلاد المسيح؟

3.      كيف تجيب على شخص يقول لك "المسيح جاء ليُخلص الناس والخطية مازالت موجودة"؟

4.      كيف تشرح المراحل الثلاث الآتية: مرحلة الوعد والاستعداد، مرحلة التحقيق، مرحلة الاكتمال؟

5.      تُرى لماذا لم يدمج الرب مرحلتي التحقيق والاكتمال؟

6.      ما علاقة مرحلة الاكتمال بخطة الله الأصلية؟

Saturday, April 7, 2018

قيامة المسيح حل اليأس واللامعنى



كانت "الرواقية" مسيطرة على الفكر الثقافي في العالم الروماني وقت المسيح.  من بين تعاليمها الكئيبة أن العالم والله واحد فلا يوجد إله يحب ويتعامل مع البشر.  الكون يمر بسلسلة "إعادات" للأبد فلا بداية للكون ولا نهاية ولا معنى أو هدف.  حياتنا محكومة بالقدر الأعمى وما علينا إلا قبول الواقع وعدم التأثر بالأمور بطريقة مبالغ فيها.  بالنسبة لهم قيامة الجسم فكرة مستحيلة لأن الجسم "سجن" الروح ويجب التخلص منه.  إلي حد كبير هذه 
الفلسفة اليونانية شبيهة بتعاليم الهندوسية والبوذية.

جاءت المسيحية وخاصة إعلانها أن يسوع المسيح قد قام من الأموات كقنبلة ذرية دمرت الرواقية مع الوقت.  فالقيامة ادخلت حقائق هامة للمجتمع كانت ضد التيار تماما:

·        الجسم الإنساني ليس شرير:  إن الله خلقه والآن يبدأ عملية استرداده في المسيح

·        الإله الذي أقام يسوع من الأموات هو إله واع بذاته ومهتم بالبشر (وهو ليس الكون الأعمى!)

·        لهذا الإله خطة لها بداية في آدم وتصل ذروتها في المسيح ونهايتها عندما يعود مرة ثانية ويقيمنا نحن.

·        لذلك حياتنا لها معنى وقيمة والكون والتاريخ لهما معنى وهدف!

انظر رسالة بولس الرسول لأهل كورنثوس الإصحاح 15 خاصة الأعداد 20-28 و 50-58.  كانت كورنثوس مدينة يونانية وكان بعض المسيحيون متأثرون بخلفيتهم الثقافية فكان لابد أن يصحح الرسول أفكارهم.
من خلال هذه الأخبار السارة دخل الفرح لحياة الكثيرين في القرون الأولى وعلى مر التاريخ.  إله المسيحية أعطى الناس إحساس بالإنتماء والحب والدفئ إضافة لغفران الخطايا وحياة أبدية.  للأسف الشديد عاد المثقفون في آخر 200 سنة للأفكار اليونانية فتبنوا نظرية "اللامعنى".  هذا بسبب الحادهم ورفضهم لصليب المسيح وقيامته. شعروا أن هذا سيعطيهم "الحرية" لكن كانت النتيجة دمار على المستوى الشخصي والحضاري. 
عزيزي الاختيار أمامك واضح:  إما أن تؤمن بمن مات من أجلك وقام فتدرك أن حياتك لها هدف.  أو أنك ترفض موته وقيامته وتعيش تائه في عالم بلا معنى ولا قيمة ولا سعادة.  كل سنة ونحن عائشون في المسيح المقام.

Wednesday, September 6, 2017

الغنوسية الجزء الثالث: المرأة والحية في الغنوسية


رأينا في المقالات الأخرى عن الغنوسية مدى تطرف الغنوسية في رفض الوهية المسيح ووحي أجزاء كبيرة من الكتاب المقدس.  إنها حركة تزعم "المعرفة" السرية (الغنوسس) وتلغي دور الإيمان والخلاص فهي حركة لا تنتمي اطلاقاً للمسيحية رغم إنها تسختخدم بعض الشخصيات المذكورة في الكتاب المقدس في أساطيرها.

في هذا المقال نتعمق أكثر في خرافات الغنوسية الخطيرة خاصة فيما يختص بما حدث في جنة عدن.   بحسب الغنوسيين المرأة لم تخطأ في البداية بل هي التي حررت البشرية من بطش الإله الشرير الذي خلقهم!  لقد قلنا في المقال الأول أن الغنوسية تعتبر إله العهد القديم إله شرير أو جاهل وقد حبس أبوينا في الجنة وفي العالم المادي لكي لا يتقدما في المعرفة.  فما فعلته المرأة كانت خطوة إلى الأمام!  ما هو أغرب من ذلك أن الغنوسية وصلت لأقصى مستويات التدني عندما زعمت أن الحية هي الإله الحقيقي!  في "الكتاب السري ليوحنا" ((Apocryphon of John وهو كتاب غنوسي مكتوب في القرن الثاني الميلادي وقد تم اكتشافه في مكتبة نجع حمادي الغنوسية يقول "المسيح" أنه هو الذي جعل أبوينا يأكلان من شجرة معرفة الخير والشر! الله هو الشر والشر هو الله!

في ضوء هذه الخرافات القاتلة نجد أن عدداَ من النساء لعبنا دوراً قيادياً في الحركات الغنوسية في القرون الأولى وقد استخدمت حركة تحرير المرأة المتطرفة الغنوسية كسند لها في زمننا.  نعني بكلمة "المتطرفة" لا النشطاء المطالبون بحقوق المرأة المشروعة بل هؤلاء الذين يرون أن المرأة متفوقة على الرجل وهي رجاء العالم.  هذه المبالغات تأتي نتيجة تعليم أسطوري خطير.
 
في هذا الشأن نذكر أمرين هامين.  اعتقد قادة الكنيسة الأوائل أن سيمون الساحر المذكور في أعمال 8 هو من قادة الغنوسية الأوائل. هو من السامرة وسعي لشراء سلطان الرسل بالمال مما جعل الرسول بطرس يوبخه.  تقول كتابات الأباء من القرن الثاني أنه غضب وذهب لروما بعد ذلك وارتبط بسيدة سيئة السمعة اسمها "هيلن" وأدعى أنه ظهر للسامريين كالآب ولليهود كالابن وللأمم الأخرى كالروح القدس.  أدعى أن هيلن هي قوة الله الخلاقة وشجع على ممارسات غير أخلاقية مثله كثير من الغنوسيين.

الأمر الثاني الخاص بنظرة الغنوسية بالمرأة يتعلق بمريم المجدلية.  يقول الإنجيل أن المسيح كان قد أخرج منها شياطين وأنها خدمته بعد ذلك مع نساء أخريات.  يقول البشيرون أنها أول من رأى المسيح بعد قيامته من الأموات وفي ذلك تكريم لها وللمرأة عامة.  إلا أن الغنوسية تطرفت في نظرتها لمريم فزعموا أن المسيح أحبها أكثر من الرسل وهي من يمتلك "الصوفيا" (الحكمة السرية) وتعلنه لهم.  ظن الغنوسيون في خرافاتهم أنها في نزاع مع بطرس وكتبوا ذلك في "أناجيلهم" المنحولة مثل ما يسمى "إنجيل فيلبس" و "إنجيل توما".   في هذه الكتابات وغيرها تخيلوا أن المسيح هو آدم الجديد (فكرة نجد مثلها في العهد الجديد لكن من منطلق مختلف) ومريم حواء الجديدة وهم يقودان الجنس البشري للمعرفة الغنوسية السرية.

في ختام هذا المقال نود أن ننبه القارئ أن هذه الخرافات مازالت تؤثر علينا.  الأخطاء لا تموت بل تأخذ أشكال مختلفة.  ففي "الكتاب السري ليوحنا" وهو كما قلنا كتاب غنوسي من القرن الثاني يوجد الإدعاء أن الثالوث هو أب وأم وابن.   للآسف تبنت حركات دينية كبيرة هذه الفكرة المغلوطة وتنشرها على أنها فكر المسيحية حتى الآن رغم تعليم الكتاب المقدس الواضح أن الإله الواحد هو الآب والابن والروح القدس.  الفيلم الحديث Maleficent شبه الشيطان بمرأة (Angelina Jolie) وانتهي بنصرتها على الملك الذي غالباً يشير للمسيح. طوال الفيلم هناك محاولة لاقناعنا أن الشيطان هو الله وهو على حق! كل هذه ما هي إلا محاولات الحية (الشيطان) لتضليل الناس وابعادهم عن محبة الله التي ظهرت في المسيح بل وتصويرها في اسوء ضوء لتدميرها.  لكن كلمة الله باقية للأبد وللحديث بقية!