Thursday, March 30, 2017

هل صُلب المسيح فعلياً؟ اثباتات منطقية وتاريخية

حقيقة موت المسيح على الصليب وقيامته الجسدية في اليوم الثالث حقيقة مركزية في المسيحية.  لو لم يمت المسيح على الصليب أو لم يقم من الأموات ليس هناك إيمان مسيحي على الإطلاق. تحت ارشاد الوحي أعطى كُتاب العهد الجديد مساحة كبيرة جداً لأحداث صلب المسيح ودفنه وقيامته وظهروه بعد ذلك.

لكن للأسف الشديد هناك ملايين من البشر يظنون أنهم مؤمنون بالسيد المسيح لكنهم يرفضون حقيقة موته على الصليب وقيامته.  مسيحهم مسيح المعجزات والتعاليم المثالية التي في رأيهم لا يستطيع أحد أن يعيشها.  لا يفهمون لماذا يسمح الله لأحد من أنبيائه أن يتألم ويموت على يد أعداءه.  ألا ينتصر الله على خصومه أم هم المنتصرون؟!

ما يغفلونه هو أن مسيح الإنجيل قال مراراً أنه لابد أن يموت ويقوم:

 وَأَخَذَ الاثْنَيْ عَشَرَ وَقَالَ لَهُمْ: "هَا نَحْنُ صَاعِدُونَ إِلَى أُورُشَلِيمَ، وَسَيَتِمُّ كُلُّ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ بِالأَنْبِيَاءِ عَنِ ابْنِ الإِنْسَانِ، لأَنَّهُ يُسَلَّمُ إِلَى الأُمَمِ، وَيُسْتَهْزَأُ بِهِ، وَيُشْتَمُ وَيُتْفَلُ عَلَيْهِ، وَيَجْلِدُونَهُ، وَيَقْتُلُونَهُ، وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومُ." وَأَمَّا هُمْ فَلَمْ يَفْهَمُوا مِنْ ذلِكَ شَيْئًا، وَكَانَ هذَا الأَمْرُ مُخْفىً عَنْهُمْ، وَلَمْ يَعْلَمُوا مَا قِيلَ. (لوقا 18: 31-34)

علينا أن ندرك أن المسيح تنبأ بما سيحدث له وأكد أن الأنبياء قبله أيضاً تكلموا عن نفس الأمور. أي أن التوراة تنبأت بموته وقيامته.  ثانياً لم يفهم تلاميذه الأصليين هذا الكلام لأنهم فهموا التوراة بطريقة غير صحيحة!  هذه قضية هامة من الناحية التاريخية والمنطقية لأنها تظهر أنهم لم يخترعوا فكرة الصلب والقيامة. على العكس تماماً فهم لم يقبلوها في البداية لأنهم كباقي اليهود كانوا منتظرين مسيح قوي يقهر روما بقوة السيف.  عندما تم القبض على المسيح وقتله اصيبوا بحزن شديد وخيبة الأمل.  فكيف كتبوا بعد ذلك عن الصليب والقيامة وكيف بشروا بهذا المسيح وقبلوا الشهادة من أجله؟ الإجابة واضحة:  أنهم رأوا بأعينهم موت المسيح ثم رأوه مقاماً من الأموات بعد ذلك!   لم يقل لهم "أنني لم أمت أصلاً إنها كانت خدعة" بل آراهم علامات الصلب على جسده المقام من القبر. كانت الدلائل القوية هي سبب تغيير معتقداتهم السابقة. أغلب من كتبوا العهد الجديد بوحي من الله كانوا شهود مباشرين للصلب والقيامة ومن لم يشهدوا الأحداث تحدثوا مع كثير من الشهود.  الإنجيل الذي بين أيدينا كُتب أثناء حياة مئات من الشهود الذين عاصروا موت المسيح ورأوه مقاماً من الأموات.

بعد ذلك ادركوا أن المسيح لم يمت بالإكراه ولم يٌهزم بل فهموا كلامه عندما قال قبل موته:
لِهذَا يُحِبُّنِي الآبُ، لأَنِّي أَضَعُ نَفْسِي لآخُذَهَا أَيْضًا. لَيْسَ أَحَدٌ يَأْخُذُهَا مِنِّي، بَلْ أَضَعُهَا أَنَا مِنْ ذَاتِي. لِي سُلْطَانٌ أَنْ أَضَعَهَا وَلِي سُلْطَانٌ أَنْ آخُذَهَا أَيْضًا. هذِهِ الْوَصِيَّةُ قَبِلْتُهَا مِنْ أَبي. (يوحنا 10: 17-18)

اقتناع تلاميذ المسيح بموته وقيامته لم يكن مجرد اقتناعاً فكرياً لكنهم شعروا بفوائده الكبيرة في حياتهم. ادركوا أن المسيح هزم إبليس وبذلك حررهم من عبودية الشر ومن خوف الموت : فَإِذْ قَدْ تَشَارَكَ الأَوْلاَدُ فِي اللَّحْمِ وَالدَّمِ اشْتَرَكَ هُوَ أَيْضًا كَذلِكَ فِيهِمَا، لِكَيْ يُبِيدَ بِالْمَوْتِ ذَاكَ الَّذِي لَهُ سُلْطَانُ الْمَوْتِ، أَيْ إِبْلِيسَ، وَيُعْتِقَ أُولئِكَ الَّذِينَ­ خَوْفًا مِنَ الْمَوْتِ­ كَانُوا جَمِيعًا كُلَّ حَيَاتِهِمْ تَحْتَ الْعُبُودِيَّةِ. (عبرانيين 2: 14)

لذلك لا نستغرب أن موت المسيح وقيامته يحتل مساحة كبيرة من العهد الجديد (الإنجيل) نصاً وروحاً وفكراً.

ماذا يقول المنطق والتاريخ؟

رأينا أن المنطق يمنعنا من قبول فكرة أن المسيحيين الأوائل اخترعوا فكرة الصلب لأنها كانت ضد معتقدهم الديني تماماً بل كانت فكرة كريهة لهم.  فلماذا يأتون بها؟ ولماذا يبشرون بمسيح مهزوم بالمعايير السياسية والإنسانية؟  لدينا وثائق تاريخية كثيرة تؤكد أن اليهود (ومنهم المسيحيين الأوائل) توقعوا أنه سيأتي على رأس جيش ليحررهم من الاحتلال ويعيد مجد دولة دواد الملك.
دعونا نفترض أنهم فعلاً لم يخترعوا قصة الصلب بل أنهم خُدعوا عندما رأوا الأحداث الأخيرة في حياة السيد المسيح.  فهل ظنوا أنه قُبض عليه وتم محاكمته وإعدامه من قبل الرومان دون أن تكون هذه أحداث حقيقية؟ 

لو كان الله أنقد السيد المسيح من مؤامرة اليهود التي أدت بهذا الافتراض لإعدام شخص آخر من قبل السلطة الرومانية كنا نتوقع أن تلاميذ المسيح أو أمه مريم أول من يعلمون بذلك.  لماذا لم يأتيهم المسيح المحب ليطمأنهم؟ لماذا لم يأتيهم نبياً أو حُلماً في نفس اللحظة ليكذب ما رأوه وسمعوه؟

على عكس ذلك تماماً ظهر لهم المسيح وآراهم أثر المسامير بعد مع قام من القبر (يوحنا 20: 24-27).

لا يوجد أي شهادة من القرن الأول الميلادي تقول أنه تم تكذيب قصة الصليب.  كل المعاصرون علموا بصلب المسيح بغض النظر لتحليلهم لما حدث. فهل بعد انتشار الخبر في أنحاء العالم يجوز انكاره بعد مئات السنين؟ هل يخدع الله شعبه فيتركهم لأوهامهم؟  هل يسمح لخدعة أن تنتشر على مدار ألفي عام؟

يمكن لأحدهم أن يزعم أن الله صحح المعلومة لكن تلاميذ المسيح تمسكوا بالأكذوبة.  نعود ونسأل لماذا يتمسكون برواية كريهة لليهود وللرومان معاً؟!  كيف يتوقعون ربح الناس لرواية مصنعة تأتي بعكس ما يرغب فيه البشر؟! لماذا يحرفون الحقيقة بطريقة ليست في صالحهم؟ هل من المنطق أن نقول هذا؟

ماذا يقول المؤرخون؟

كتب المؤرخ اليهودي يوسيفوس والذي عاش بعد السيد المسيح مباشرة (37 – 100 م) وعاصر حياة وتبشير اتباعه أن يسوع صُلب في عصر الوالي الروماني بيلاطس تماماً كما يقول الإنجيل. جاء ذلك في كتابه عاديات اليهود، الجزء 18، الفصل الثالث.

أيضاً يقول المؤرخ الروماني تاسيتس (عاش 56-117 م) في كتابه الحوليات (15، 44) أن المسيح صُلب في عصر الامبراطور طيبيريوس (حكمه 14-37 م) تماماً كما يقول الإنجيل.

بالاضافة لشهادة هذين المؤرخين المشهورين هناك خطاب من عام 73 م لفليسوف سوري اسمه مارا بن سرابيوم لابنه يقول فيه أن اليهود قتلوا ملكهم الحكيم ومن ذلك الوقت تشتتوا.  جدير بالذكر أن الرومان دمروا أورشليم وشتتوا اليهود عام 70 م أي قبل الخطاب بثلاث سنين.

بذلك لدينا شهادة المسيحيين داخل وخارج الإنجيل وشهادة اليهود وشهادة الرومان أن المسيح صُلب فعلياً.  ليس لدينا أي مستند من أي طرف في القرن الأول يكذب القصة.  لا يوجد "إنجيل" آخر من هذه الفترة التاريخية الحاسمة يقدم لنا رواية مختلفة.  لذلك يقبل العلماء حتى غير المسيحيين وحتى الملحدين حقيقة صلب المسيح في عصر الوالي الروماني بيلاطس أثناء حكم تيبيريوس قيصر.
علينا نحن أيضاً أن نقبل هذه الحقيقة ونتعامل معها ونفهمها لأنه لا يمكن تجاهلها.  لماذا مات؟ وماذا حدث بعد موته؟ وماذا يعني كل ذلك لك؟

(انظر أيضاً مقالنا تحت عنوان "الله قدم برهاناً قوياً على صدق المسيحية")