Friday, June 22, 2018

هل تم الخلاص أم ليس بعد؟

للرب خطة عظيمة يفرح بها كل مؤمن ألا وهي خطة الخلاص.  جاء المسيح بحب عظيم لعالمنا ليُخلصنا من الشر والموت والشيطان. نحن نعرف أننا بالإيمان بدمه قد نلنا غفران الخطايا، ونعرف أيضًا أننا تبررنا فيه ونلنا حياة جديدة بقوة روح الله القدوس. وللمؤمن ثقة أن بعد موته سيكون في محضر المسيح.

 من هذا المنطلق يبدو أن خطة الخلاص تمت بالفعل ولا نحتاج لشئ آخر.   لكن علينا ألا نتسرع وننسى الآتي:

-نحن المؤمنون مازلنا نُصارع الخطية، بالرغم من كوننا  قد مُتنا عنها مع المسيح (رومية ٦: ١-٧).
-نحن المؤمنون نمرض، بالرغم من أن الكتاب المقدس يقول "بحبره شُفينا" (إشعياء ٥٣: ٥).
-نحن المؤمنون أيضًا نموت، بالرغم من أننا قد ورثنا الحياة الأبدية مع المسيح المقام (١ بطرس ١: ٣-٤).

 فلماذا إذًا نُصارع، ونمرض، ونضعف، ونموت، لو أن الخلاص قد اكتمل؟

مع العلم أيضًا أن خطة الخلاص لو فهمناها بدقة لا تشمل البشر فقط، بل الطبيعة نفسها، بدليل أيات مثل الآتي (لاحظ الكلمات التي ركزنا عليها):

-          "طوبى للودعاء لأنهم يرثون الأرض" (متى ٥: ٥)
-          "لأن الخليقة نفسها ستُعتق من عبودية الفساد إلى حرية مجد أولاد الله (رومية ٨: ٢١)
-          "ثم رأيت سماء جديدة وأرضاً جديدة" (رؤيا ٢١: ١)

هذه الحقيقة منطقية جدًا، لأن الله هو الذي خلق الطبيعة ويحبها. يشيد مزمور ١٠٤ بعناية الرب للأرض، حتى أنه يُعلن أن الروح القدس يتعامل مع الطبيعة بالبركة (عدد ٣٠)!  والطبيعة تهتف وتعبد إلهها الخالق الأمين (إشعياء ٥٥: ١٢؛ رؤيا ٥: ١٣).  إن كانت الأرض قد لُعنت بسبب خطية آدم (تكوين ٣: ١٧) فهي ستُحرر من هذه اللعنة عندما ننال المجد في آدم الثاني ربنا يسوع المسيح.  هذا ما يقوله الرسول بولس بالوحي في رومية ٨ المشار إليها أعلاه (قارن أيضًا كولوسي ١: ٢٠ في سياقها).  إذن نفهم أنه كما يُجدد الله الإنسان القديم ويسميه "إنسان جديد"، هكذا سيُجدد الطبيعة ويسميها سماء جديدة وأرض جديدة.

لكننا لو نظرنا للطبيعة وحال العالم الآن من الواضح أن يوم الحرية والمجد لم يأتي بعد!!  فهناك تلوث، وبراكين، وزلازل، وأعاصير ولذلك نقول إن "خلاص" الطبيعة لم يكتمل بعد على أرض الواقع.

فمن ناحية الخلاص تم، ومن ناحية لم يتم.  أو ما هو أدق نقول إنه قد تم لكنه لم يكتمل بعد.  سنفهم كل هذا أكثر لو استوعبنا أن خطة الله للخلاص خطة مرحلية ولها حقب تاريخية لابد أن تتم في تسلسل معين.  هذا تعليم الكتاب المقدس الواضح، وليس مجرد أماني المؤمنين أو تخمينات العلماء.

خطة الله في الأساس كانت أن يضع صورة ابنه يسوع المسيح الرائعة علينا، فيراه فينا ونحن نراه في المسيح.  لو لم يُخطيء البشر، كنا عشنا مع الله ومع بعضنا البعض في انسجام ومحبة، دون كراهية ولا حقد ولا ألم ولا مرض.  من الصعب تصور كل أبعاد الحياة الجميلة التي كنا سنتمتع بها في الله ومعه في حالة عدم وجود الخطية.  لكن كما نعلم أن الإنسان أخطأ والسؤال الذي يراود الكثيرين هو: "لماذا لم يضمن الله صمود آدم في الطاعة والبر؟  لماذا لم يحمي خطته من الفشل؟  (أنظر أيضاً مقالنا عن "ماذا حدث في السقوط")

هذا السؤال هام للغاية، ولابد أن نفكر فيه بعمق. السبب هو أن الله لم يخلقنا كالحيوانات أو كالنباتات لكنه خلقنا مثله هو بفكر ومشاعر وإرادة (تكوين ١: ٢٦).   بالطبع كان الله قادر أن يخلق إنسان يطيعه على الدوام، ويحبه بلا انقطاع لكن ما معنى الحب والطاعة حينما يكونا مقيدين؟  المحب لابد أن يختار الحب ولا يُجبر عليه!  لذلك كان من الضروري أن نكون نحن البشر أحرارًا في قرارتنا نحو الله أي أن نكون مُخيرين لا مُسيرين، والا تحولت الخطة الإلهية لمسرحية هزلية.  من غير المعقول أن يصنعنا الله على صورته ويحجب عنا إمكانية صنع القرارات الأدبية.

يقول البعض أن الأب والأم الصالحين يحميان أولادهما من الخطر.  وبالفعل الله أعطى آدم وحواء إمكانية الفهم والطاعة وحذرهم مُسبقًا ووضعهم في جنة جميلة.   أعطاهم أيضًا بركات وفيرة وكل شجر الجنة ليأكلوا منها فلم يتركهم فريسة ولا بأدنى نقص أو احتياج.  أعطاهم فرصة للتجاوب معه، للوصول للنضوج من خلال الطاعة وتحمل المسئولية وهذا ما ينبغي أن نفعله مع أولادنا أيضًا.  لو كان آدم استمر في الطاعة لكان ارتفع هو وحواء في علاقتهما مع الله.  بمعنى أنهما بعد فترة يكونا قد اجتازا الاختبار، واثبتا عمليًا وشخصيًا أنهم يريدون معرفة الله.

للأسف فشل أبوينا في الاختبار، ولم يثبتوا في محبة الله بل صدقا صوت الشرير الذي أغراهم أن يكونا آلهة.   فهل فشلت خطة الله بفشل آدم وحواء؟  بالطبع لا،  خطة الله لم تفشل بل أخذت شكلًا مختلفًا، أي شكل الاسترداد أي أن الله أظهر عزمه على استرداد الإنسان للقصد الأول، وأيضًا رغبته في انقاذ الطبيعة.  الاسترداد هو الخلاص أي أن الله يرد ما قد هلك (انظر لوقا ١٩: ١٠، أعمال ٣: ١٨-٢٦).  بسبب رحمته الكبيرة لم يفني العصاة، ولا بدأ خطة جديدة بدونهما بل أعلن أن من خلال نسل المرأة سيأتي من سينتصر على الشيطان، ويُعيد الحياة للمسار الأصلي أو إلى ما هو أفضل (تكوين ٣: ١٥).  هذا أول وعد بالمُخلص وبالخلاص، وفي العصور قبل مجيئه أضاف الرب وعود كثيرة من أهمها أن المُخلص سيأتي من نسل إبراهيم وإسحاق ويعقوب وتتبارك فيه كل شعوب الأرض (تكوين ١٢: ٣).

 فترة ما بعد سقوط آدم وحتى ميلاد المسيح، هي مرحلة الوعد "برد كل شئ"، والاستعداد لتنفيذ هذه الوعود الهائلة. لأن الله وعد أن المخلص لابد وأن يأتي من نسل المرأة - أي من البشر - كان من الضروري أن تكون له أسرة وأُمة.   فاختار نسل يعقوب، وصنع منهم أُمة يأتي منها الأنبياء، ويأتي منها ابنه المتجسد.   عندما عصى بني إسرائيل وعد أن الله سيردهم هم أيضًا،  ووعد أنه سيأتي بالأمم للبر والإيمان (مزمور ٨٦: ٩؛ إشعياء ٢: ٢)، وأن خلاصه سيمتد لأقاصي الأرض (إشعياء ٤٩: ٦).   العهد القديم يرسم صورة لمملكة المسيح العالمية التي وعد أنها ستأتي يومًا ما (مزمور ٧٢، إشعياء ١١).  انتظر المؤمنون من شعب بني إسرائيل تحقيق هذه الوعود بفارغ الصبر، كما نرى في المزامير وفي نشيد زكريا (لوقا ١).

بعد انتظار طال قرون، وأمل بدى أنه مفقودًا، صنع الله أمرًا عجيبًا في القرن الأول الميلادي، أخيرًا أرسل الله ابنه الوحيد ليكون نسل المرأة ونسل إبراهيم الموعود. أخيرًا بدأ يُحقق وعوده القديمة، وكان ذلك تقريبًا ألفي عام بعد وعده لإبراهيم وأكثر من ذلك بكثير منذ وعده في تكوين ٣: ١٥.   للرب توقيتاته، وهو يعمل حسب حكمته الفائقة وليس حسب توقعاتنا نحن البشر. 

هناك آيات كثيرة في العهد الجديد تعلن أن مرحلة التحقيق بدأت بقدوم يسوع المسيح إلى عالمنا.  من بين هذه الآيات: متى ١: ٢٢-٢٣ وتصريحات مماثلة في بشارة متى، مرقس ١: ٢-٣، لوقا ١: ٥٤-٥٥، ٦٨-٧٥، أعمال ٣: ١٧-٢٦، رومية ١: ٢، ١٥: ٨-١٢، إلخ.  إذًا لن نستطيع استيعاب ما فعله المسيح إلا في ضوء ما هو مكتوب في العهد القديم.  لم يأتي المسيح ليبدأ خطة جديدة، بل جاء ليُحقق الخطة الموضوعة من قبل، ألا وهي استرداد الخليقة والبشرية.

فعل ذلك المسيح عن طريق كل الآتي:

-حياته البارة وطاعته للآب السماوي (متى ٣: ١٥).
-معجزاته وطرده للشياطين (متى ١٢: ٢٨).
-موته على الصليب حينما أدان الله الخطية (رومية ٨: ٣).
-قيامته في اليوم الثالث (١ بطرس ١: ٣).
-صعوده بعد ٤٠ يوم وجلوسه عن يمين الله الآب (أعمال ٢: ٣٣-٣٤).

بالطبع هناك الكثير من التفاصيل والشرح لهذه الأمور، لكن هذا ليس هدفنا الرئيسي الآن (انظر المقال عن "التجسد").  يكفينا أن نقول إن الله تكلم عن كل هذه الأحداث في العهد القديم، وحققها المسيح لكي يقضي على الخطية والشيطان والموت، فيُجددنا ويُجدد العالم.  كل هذه تمثل بداية مرحلة التحقيق، والتي سوف تستمر حتى ظهور المسيح في المجد عند مجيئه الثاني. فالمسيح حقق فداءً أبديًا، لكنه ينتظر الآتي: (١) انتشار رسالة هذا الفداء بين كل الأمم (متى ٢٤: ١٤، ٢٨: ١٨-٢٠) وأيضًا (٢) إخضاع كل أعداءه تحت قدميه حسب وعد الآب له في مزمور ١١٠: ١ والمُكرر عدة مرات في العهد الجديد.  

في المستقبل وبعد فترة من الشر غير المسبوق سيظهر المسيح في السحب ويفعل الآتي:

-          يُدمر آخر خطة شيطانية متمثلة في الوحش الذي هو ضد المسيح وفي النبي الكذاب.
-          يُقيم الموتى، ويُعطي المؤمنين أجسادًا جديدة مثل جسد مجده.
-          يُدين الأحياء والأموات.
-          يُلقي الشيطان في بحرية النار.

 في هذه اللحظة المستقبلية، سنكون قد دخلنا مرحلة الاكتمال، تلك التي ليس فيها شر، ولا آلم، ولا موت، ولا صراع مع الخطية والأشرار.  إنها لحظة فداء أجسادنا، أي أن أجسادنا إلى الآن مفدية مبدئيًا لكنها غير مفدية بالفعل (رومية ٨: ٢٣). هي لحظة لقاؤنا معه ومع شعبه من كل العصور.  

نحن نعيش الآن في مرحلة التحقيق ولا نعلم متى ستكتمل خطة الله لكننا واثقون أنه كما حقق وعوده إلى الآن سيكمل إلى يوم يسوع المسيح.

من الملفت أن خلاصنا يأتينا على المستوى الشخصي في ثلاثة مراحل أيضاً:  (١) ينال كل من يؤمن الغفران والحياة الأبدية و(٢) يبدأ الجهاد بقوة الله ليتمم خلاصه بخوف ورعدة حتى (٣) يأتي الخلاص الكامل في المستقبل ومعه المجد الأبدي.

نعم الخلاص قد تم، لكنه يكتمل في هذه اللحظة المستقبلية.  فقد جاء المسيح المرة الأولى ليؤسس ملكوته، وهو يبنيه الآن، وسيُكمله حينما يظهر المرة الثانية. عندما نراه كما هو عيانًا،  سيكون الله قد حقق خطته الأصلية التي بدأت في جنة عدن (رؤيا ٢١: ١-٨).

أسئلة:

1.      ما هو الاسترداد؟ دعم اجابتك بشواهد كتابية.

2.      ما هي أهم وعود الله قبل ميلاد المسيح؟

3.      كيف تجيب على شخص يقول لك "المسيح جاء ليُخلص الناس والخطية مازالت موجودة"؟

4.      كيف تشرح المراحل الثلاث الآتية: مرحلة الوعد والاستعداد، مرحلة التحقيق، مرحلة الاكتمال؟

5.      تُرى لماذا لم يدمج الرب مرحلتي التحقيق والاكتمال؟

6.      ما علاقة مرحلة الاكتمال بخطة الله الأصلية؟

Saturday, April 7, 2018

قيامة المسيح حل اليأس واللامعنى



كانت "الرواقية" مسيطرة على الفكر الثقافي في العالم الروماني وقت المسيح.  من بين تعاليمها الكئيبة أن العالم والله واحد فلا يوجد إله يحب ويتعامل مع البشر.  الكون يمر بسلسلة "إعادات" للأبد فلا بداية للكون ولا نهاية ولا معنى أو هدف.  حياتنا محكومة بالقدر الأعمى وما علينا إلا قبول الواقع وعدم التأثر بالأمور بطريقة مبالغ فيها.  بالنسبة لهم قيامة الجسم فكرة مستحيلة لأن الجسم "سجن" الروح ويجب التخلص منه.  إلي حد كبير هذه 
الفلسفة اليونانية شبيهة بتعاليم الهندوسية والبوذية.

جاءت المسيحية وخاصة إعلانها أن يسوع المسيح قد قام من الأموات كقنبلة ذرية دمرت الرواقية مع الوقت.  فالقيامة ادخلت حقائق هامة للمجتمع كانت ضد التيار تماما:

·        الجسم الإنساني ليس شرير:  إن الله خلقه والآن يبدأ عملية استرداده في المسيح

·        الإله الذي أقام يسوع من الأموات هو إله واع بذاته ومهتم بالبشر (وهو ليس الكون الأعمى!)

·        لهذا الإله خطة لها بداية في آدم وتصل ذروتها في المسيح ونهايتها عندما يعود مرة ثانية ويقيمنا نحن.

·        لذلك حياتنا لها معنى وقيمة والكون والتاريخ لهما معنى وهدف!

انظر رسالة بولس الرسول لأهل كورنثوس الإصحاح 15 خاصة الأعداد 20-28 و 50-58.  كانت كورنثوس مدينة يونانية وكان بعض المسيحيون متأثرون بخلفيتهم الثقافية فكان لابد أن يصحح الرسول أفكارهم.
من خلال هذه الأخبار السارة دخل الفرح لحياة الكثيرين في القرون الأولى وعلى مر التاريخ.  إله المسيحية أعطى الناس إحساس بالإنتماء والحب والدفئ إضافة لغفران الخطايا وحياة أبدية.  للأسف الشديد عاد المثقفون في آخر 200 سنة للأفكار اليونانية فتبنوا نظرية "اللامعنى".  هذا بسبب الحادهم ورفضهم لصليب المسيح وقيامته. شعروا أن هذا سيعطيهم "الحرية" لكن كانت النتيجة دمار على المستوى الشخصي والحضاري. 
عزيزي الاختيار أمامك واضح:  إما أن تؤمن بمن مات من أجلك وقام فتدرك أن حياتك لها هدف.  أو أنك ترفض موته وقيامته وتعيش تائه في عالم بلا معنى ولا قيمة ولا سعادة.  كل سنة ونحن عائشون في المسيح المقام.