Thursday, April 25, 2019

بماذا يحتفل المسيحيون في أسبوع الآلام؟


لقد سُمي الأسبوع الأخير قبل عيد القيامة  "أسبوع الآلام".  في الواقع هو أسبوع آلام مؤدية إلى انتصار عجيب.

بالنسبة لأغلب المسيحيين على مر التاريخ يعد هذا الأسبوع من أهم أسابيع السنة بل أهمهم. هذا لأننا نتذكر حدثين هما أساس الإيمان المسيحي: موت المسيح وقيامته. إلا أن هذين الحدثين محاطين في الإنجيل بظروف وأحداث أخرى توضح معناهما.

نبدأ سردنا بما يُسمى أحد السعف أو أحد الشعانين وهو تذكار لدخول يسوع المسيح إلى أورشليم لآخر مرة وكان هذا خمسة أيام قبل موته. عندما دخل المدينة في وقت عيد الفصح اليهودي كان يعلم جيداً ما ينتظره وما الذي ينوي أن يفعله لكن أتباعه وعامة الجماهير اليهودية ظنت أنه آت ليُخرج المحتل الروماني ويعيد تأسيس مملكة أبيه داود الساقطة منذ قرون. لهذا السبب قدموا له ترحيباً ملكياً إلا أنهم لم يفهموا أنه مقبل على عمل أخطر ألا وهو هزيمة الشيطان والتكفير عن الخطية وفتح مملكته السماوية لكل الشعوب وليس لليهود فقط. فكر عامة شعبه اليهودي فيما هو أرضي وسياسي وفيما يخصهم فقط ولم يستوعبوا أن في قلبه خطة أوسع بكثير سبق وتنبأ الله عنها في التوراة.

في الأيام الثلاثة التي تلت "أحد السعف" طرد المسيح الباعة من هيكل أورشليم وحذر أنه سيُهدم نتيجة رفض الأمة اليهودية له وبالبفعل تمت هذه النبوة عام 70 ميلادياً أي بعد 40 سنة من أحداث الصليب والقيامة وكان هذا الدمار على أيدي الرومان. زاد التوتر بين المسيح وبين قادة اليهود الذين خافوا من شعبيته المتصاعدة نتيجة معجزاته التي لم يستطع أحد إنكارها. حاولوا ايقاعه في زلة تُمسك عليه لكنهم لم يجدوا ذلك ولم يجدوا فرصة للقبض عليه بين جموع المعيدين اليهود الذين كانوا منبهرين به.

في يوم الخميس من "أسبوع الآلام" هذا احتفل المسيح بالفصح اليهودي مع تلاميذه ووعدهم أن بعد عودته للآب السماوي سيرسل لهم الروح القدس الذي سيسكن فيهم ويقودهم في عملهم إلى أن يعود في المستقبل. أثناء احتفاله بالفصح طلب من تلاميذه من ذلك الوقت فصاعداً "التناول" من الخبز والكأس قائلاً إن الخبز هو جسده المكسور من أجلهم والكأس دمه المسفوك من أجل مغفرة خطايا الكثيرين. أشار أثناء هذا العشاء الأخير للعهد الجديد الذي تنبأ عنه الأنبياء منذ مئات السنين والذي يقابل ويفوق العهد الذي كان الله قد قطعه مع شعب إسرائيل عندما أنقذهم من أرض مصر وأمرهم برش دم خروف الفصح على بيوتهم حتى لا يُفنوا مع أبكار المصريين. كان الفصح الأول أيام موسى صورة مصغرة لما تم في المسيح بشكل أعظم ولذلك تسمى هذه اللية "خميس العهد". فهم التلاميذ بعد القيامة إن الله يقيم عهداً أبدياً مع كل الذين يقبلون فداء المسيح.

في الساعات التي تلت العشاء الأخير ذهب المسيح إلى بستان قريب من أروشليم ليصلي وكان قد دبر يهوذا الخائن أن يقود قادة اليهود للقبض عليه في هذا المكان البعيد عن الجماهير لتجنب البلبلة والاضطرابات المحتملة. حاول بطرس أحد تلاميذه الدفاع عنه بالسيف لكن أمره المسيح ألا يفعل ذلك مذكراً إياه أنه جاء ليتألم وأن بإمكانه أن يطلب من الآب آلاف الملائكة لإنقاذه.

بدأت محاكمته الظالمة فجر يوم "الجمعة العظيمة" ووجد رؤساء الكهنة اليهود صعوبة في إيجاد شاهدين متفقين مع بعضهما البعض. في النهاية جاء شاهدان زور وادّعا كاذبين أن المسيح قال إنه سينقض الهيكل بنفسه. بناء على هذه الشهادة الباطلة أسلموه للحاكم الروماني على فلسطين الذي لم يجد فيه علة تستدعي الإعدام. إلا أن رؤساء اليهود حرضوا الجماهير عليه فطالبوا هم أيضاً بصلبه لأنهم استنتجوا أنه طالما تم القبض عليه من الأعداء لا يمكن أن يكون الملك المنتظر. فتم الضغط على الحاكم الروماني ووقعت الجريمة.

إن صلب المسيح أكبر جريمة في التاريخ إلا أن الله في حكمته العظيمة وبسبب محبته كان قد قصد مسبقاً أن يفدي العالم ويهزم الشيطان بموت المسيح وقيامته. منذ وقت عصيان آدم في الجنة كان الجنس البشري تحت سيطرة الشيطان هذا لأننا في شخص آدم أبينا كنا قد سلمنا حياتنا لتباعيته فدخلت الخطية قلوبنا والموت أجسادنا. كيف ننقذ من كل هذا؟ حتى التوبة لم نتسطع أن نقدمها لأننا أحببنا الشر وكنا قد سميناه الخير. ومع ذلك كنا في حالة ظلام وخوف في مملكة إبليس المليئة بالكراهية والأنانية والقتل والشعوذة والاغتصاب. كلام الله على لسان الأنبياء لم يكن كافياً لفك العبودية وتطهير قلوبنا.

كان لابد أن يأتي إنساناً باراًغير ملوث بخطايا الجنس البشري لينقذ إخوته. لكن كيف يأتي هذا الإنسان والكل قد أصيب بالداء الذي بدأ بعصيان آدم؟  كلنا نؤمن أن آدم خرج من الجنة نتيجة هذا العصيان ولم يعد إليها ولا عاد إليها أولاده. إذن الجميع تحت الدينونة. من إذن يستطيع أن يخرجنا من العبودية والدينونة؟ حتى شريعة الله الذي أعطاها على يد النبي موسى لم تنقذ الشعب اليهودي بل معها ازدادوا في شرورهم حتى صلبوا المخلص البار واعتبروا ذلك خير.  

عندما صار المسيح إنساناً بطريقة معجزية— بولادته من العذراء مريم —جاء بدون الخطية وقد حاول الشيطان بكل الطرق أن يوقعه في العصيان كما فعل مع آدم ومع جميعنا. لكن كان المسيح خاصعاً لله الآب وأطاعه تماماً حتى في إرادة الآب أن يموت. فشل الشيطان في مخططه فكان موت المسيح البار وقيامته دينونة عليه (أي على الشيطان) تمهيداً لإلقائه في نار جهنم عند عودة المسيح.

ظهر شر الإنسان وقت صلب المسيح بطريقة بشعة فأراد الله أن يضع كل خطايانا على ابنه المعلق على الصليب لكي يدينها ويطهرنا منها. لم تكن في يسوع المسيح أدنى خطية ولم يمت بسبب عيب فيه لكنه قدم حياته الطاهرة ذبيحة كفارية من أجلنا مثل ما حدث بشكل مصغرا جداًوقت االخروج من مصر عندما احتمى شعب بني إسرائيل تحت دم خروف الفصح وتم انقاذهم من عبودية الفرعون. إنها حكمة إلهية تفوق العقل ومحبة لا نتسطيع استيعابها أنه في المسيح البار تتم الدينونة على خطيتنا وعلى إبليس.  نتيجة هذه الدينونة التي تمت فيه هو المطيع لا تبقى دينونة علينا نحن الخطاة الذين نحتمي فيه بالإيمان.

أرتضى المسيح طوعاً أن يدخل في معركة مع الشيطان لكي ينقذنا منه ويطهرنا من الخطية التي كان الشيطان هو السبب فيها أصلاً. لا نفهم أعماق ما حدث لكن كل من آمن بالمسيج اختبر التحرير من الخوف ومن سيطرة الشيطان والخطية على حياته.

غابت الشمس يوم الجمعة العظيمة في عز النهار لمدة ثلاثة ساعات وتزلزلت الأرض وفُتحت القبور. حجاب الهيكل الذي كان يمنع دخول أي إنسان إلى "قدس الأقداس" إلا مرة في السنة تم تمزيقه من الأعلى للأسفل بيد غير مرئية مظهراً الله بهذا الرمز أن الطريق إليه صار مفتوحاً للجميع دون عقبة أو مانع. 

دُفن المسيح في قبر جديد منحوت في كهف وتم وضع حجر كبير عليه وحراسة عسكرية لمنع تلاميذه من سرقة الجثة والإدعاء أنه قام من الأموات كما تنبأ.

إلا أن فجر يوم الأحد أي في اليوم الثالث بعد وفاته وأسبوع بعد دخوله إلى أورشليم قام المسيح بجسده من القبر ولم يترك هناك سوا الكفن. نحتفل بهذا الحدث الكبير في عيد القيامة الذي دائماً يكون يوم الأحد. ظهر المسيح عدة مرات لمجموعات من تلاميذه في أماكن مختلفة وفي ظروف مختلفة حتى أنه أكل معهم (لوقا 24: 42-43)! لم يعثر أحد إلى هذا اليوم على جسده لأنه صعد إلى السماء بعد 40 يوماً من القيامة.

لقد أقامه الله من الأموات ليظهر بره وينقض الظلم الذي وقع عليه وليقبل الذبيحة التي قدمها عنا. إنه قام بنفس الجسد المصلوب لكنه الآن غير قابل للموت. كان موته لأجلنا وهكذا أيضاً قيامته. يعلمنا الإنجيل أن عمله سيؤدي لتجديد الطبيعة نفسها عند عودته في المستقبل. هذا هو ما نحتفل به في هذا الأسبوع مدركين في الأحداث محبة وقوة إلهية تعملان رغم الشر وحتى بالشر لتحقق مقاصدها العادلة (انظر أعمال الرسل 2: 23-24؛ 3: 17-18).

(عزيزي القارئ:  كل الأفكار في هذا المقال مستمدة من آيات في الكتاب المقدس وقد ذكرنا القليل منها.  لو أردت معرفة المزيد عن الأماكن الكتابية التي أتت منها الأفكار رجاء طلب ذلك من الكاتب).


No comments:

Post a Comment