Monday, April 15, 2019

التبرير


التبرير
بقلم د. عماد عزمي
إن رسالة الإنجيل قوية جدًا لأنها تأتي من الله بنفس القوة التي أظهرها الله في قيامة المسيح من الأموات (رومية 1: 4، 16؛ 4: 24-25؛ غلاطية 2: 20-21؛ فيلبي 3: 9-10). لخص الرسول بولس رسالة الإنجيل في 1 كورنثوس 15: 1-4 هكذا:
وَأُعَرِّفُكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ بِالإِنْجِيلِ الَّذِي بَشَّرْتُكُمْ بِهِ، وَقَبِلْتُمُوهُ، وَتَقُومُونَ فِيهِ،
وَبِهِ أَيْضًا تَخْلُصُونَ، إِنْ كُنْتُمْ تَذْكُرُونَ أَيُّ كَلاَمٍ بَشَّرْتُكُمْ بِهِ. إِلاَّ إِذَا كُنْتُمْ قَدْ آمَنْتُمْ عَبَثًا!
فَإِنَّنِي سَلَّمْتُ إِلَيْكُمْ فِي الأَوَّلِ مَا قَبِلْتُهُ أَنَا أَيْضًا: أَنَّ الْمَسِيحَ مَاتَ مِنْ أَجْلِ خَطَايَانَا حَسَبَ الْكُتُبِ،
وَأَنَّهُ دُفِنَ، وَأَنَّهُ قَامَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ حَسَبَ الْكُتُبِ.
يُكمل بولس ويذكّر الكنيسة في كورنثوس أن المسيح المُقام ظهر لتلاميذه ولأكثر من 500 مؤمن دفعة واحدة بعد القيامة ليؤكد لهم أنه مات وقام فعلاً بالجسد الذي مازال يحتفظ بجروح صلبه.  يقول بولس أن الذين آمنوا إيمانًا حقيقيًا بهذا الإنجيل يخلصون. ماذا يعني بالخلاص؟ يتحدث الرسول بولس عن الخلاص في رسالة رومية من منطلق "التبرير" الذي يأتي من كلمة "بر".  لاحظ الربط بين الخلاص والبر في رومية 1: 16-17:
لأَنِّي لَسْتُ أَسْتَحِي بِإِنْجِيلِ الْمَسِيحِ، لأَنَّهُ قُوَّةُ اللهِ لِلْخَلاَصِ لِكُلِّ مَنْ يُؤْمِنُ: لِلْيَهُودِيِّ أَوَّلاً ثُمَّ لِلْيُونَانِيِّ.
لأَنْ فِيهِ مُعْلَنٌ بِرُّ اللهِ بِإِيمَانٍ، لإِيمَانٍ، كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: «أَمَّا الْبَارُّ فَبِالإِيمَانِ يَحْيَا».
إن الإنجيل قوة الله للخلاص لأن فيه معلن بر الله!  كيف يُعلن الإنجيل بر الله؟
أولاً: يعلن الإنجيل أن الله يرفض الخطية تمامًا ولابد أن يعاقبها.هذا ما يشير له بولس في العدد التالي للفقرة المقتبسة أعلاه (رومية 1: 18)
لأَنَّ غَضَبَ اللهِ مُعْلَنٌ مِنَ السَّمَاءِ عَلَى جَمِيعِ فُجُورِ النَّاسِ وَإِثْمِهِمِ، الَّذِينَ يَحْجِزُونَ الْحَقَّ بِالإِثْمِ.
لا يمكن أن يكون الله بارًا وقدوسًا إن لم يعاقب الخطية. مرت عصور طويلة قبل وقت المسيح وارتكب البشر شرور كثيرة والله لم يعاقبهم عليها بطريقة واضحة إلا في حالات استثنائية مثل الطوفان وقت نوح. فكان هناك سؤال: ألا يبالي الله بالخطية؟ هل يتركها هكذا للأبد؟ ولكن عندما مات المسيح أعلن الله بره — أي رفضه للشر الذي شوّه خليقته وأدّى إلى مآسي كثيرة. هذا لأن الله عاقب الخطية في شخص المسيح المصلوب كما قال بولس في رومية 8: 3.
". . . فَاللهُ إِذْ أَرْسَلَ ابْنَهُ فِي شِبْهِ جَسَدِ الْخَطِيَّةِ، وَلأَجْلِ الْخَطِيَّةِ، دَانَ الْخَطِيَّةَ فِي الْجَسَدِ."
إنها حقيقة مزهلة أن الله "دان الخطية في جسد" ابنه الذي مات كفارة لأجلنا وأزال الغضب الإلهي عن المؤمنين (قارن أيضًا رومية 3: 25-26).
ثانيًا: يعلن الإنجيل لنا أن ابن الله هذا عاش حياة البر كاملة! فهو صار إنسانًا من نسل داود (رومية 1: 3) وفعل عكس كل الناس! فأبونا آدم كسر وصية ربنا ونتيجة ذلك نحن أبناؤه نسلك في نفس طريق العصيان المؤدي إلى الموت. أما المسيح فهو الوحيد الذي عاش حياة البر طوال حياته على الأرض إلى الصليب (فيلبي 2: 8). لذلك فكانت تقدمة موته الكفاري للآب مرضية ومقدسة وكان جسده مُهيّأ لإدانة الخطية. يقول بولس في رومية 5: 19:
لأَنَّهُ كَمَا بِمَعْصِيَةِ الإِنْسَانِ الْوَاحِدِ جُعِلَ الْكَثِيرُونَ خُطَاةً، هكَذَا أَيْضًا بِإِطَاعَةِ الْوَاحِدِ سَيُجْعَلُ الْكَثِيرُونَ أَبْرَارًا.

ثالثًا:  يعلن الإنجيل نعمة الله لأن كل من يؤمن بالمسيح "يتبرر" أي ينال بر المسيح الذي يحسبه الله للخاطئ بالإيمان.
يكمل بولس حديثه في رومية 5 عن التبرير ويشرح ما قاله في عدد 19 في الأعداد 20-21:
وَأَمَّا النَّامُوسُ فَدَخَلَ لِكَيْ تَكْثُرَ الْخَطِيَّةُ. وَلكِنْ حَيْثُ كَثُرَتِ الْخَطِيَّةُ ازْدَادَتِ النِّعْمَةُ جِدًّا
حَتَّى كَمَا مَلَكَتِ الْخَطِيَّةُ فِي الْمَوْتِ، هكَذَا تَمْلِكُ النِّعْمَةُ بِالْبِرِّ، لِلْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ، بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ رَبِّنَا.
كان أغلب اليهود وقت بولس يعتقدون أن البر يأتي بسماعهم للناموس (الشريعة) وقيامهم بالأعمال التي أوصى الله بها، خاصة الختان. ظنوا أنهم مقبولين لدى الله لأنه أعطاهم شريعته مع باقي الامتيازات التي يذكرها بولس في رومية 9: 4-5. لكنهم تجاهلوا أن إعطاء الشريعة سبّب تكاثر للخطية وليس للبر!  وصايا الله—مع أنها مقدسة وصالحة—تنشئ فينا كخطاة مزيدًا من العصيان وبالتالي مزيدًا من غضب الله (انظر رومية 4: 15؛ 7: 7-13). للآسف الشديد مازال الكثيرون اليوم يعتقدون أن أعمالهم وتديّنهم سوف يأتي بهم إلى الله وإلى الحياة الأبدية، أما الإنجيل فيعلن أن التبرير هو عطية مجانيّة من الله ولا يستحقها أحدٌ على الإطلاق (قارن أيضًا ما يقوله في أفسس 2: 8-9). إن الله يقبلنا لا في أشخاصنا بل في شخص ابنه المحبوب الذي يصير برنا بالتمام فيعود كل المجد لله وحده (1 كورنثوس 1: 30؛ أفسس 1: 3-7).
لا يعني هذا أن المؤمنين المُبرّرين يسلكون حسب أهوائهم كما سلكوا قبل الإيمان. صحيح أنهم نالوا بر المسيح بالإيمان بدون الأعمال عندما قبلوا المسيح وهذا لم يكن "منهم" بل هو "عطية الله". نعم التبرير قد تم (رومية 5: 1) باتحاد المؤمن بالمسيح بواسطة الروح القدس فصار المؤمن إنسانًا جديدًا. هو الآن مُحرّر من الخطية التي كانت تقيّده من قبل فلا يمكن أن يسلك كما سلك، بل تبدأ فيه عملية التغيير التي تستغرق الحياة كلها وتنتهي بالمجد عندما يعود المسيح. ليست هذه العملية هي التبرير بل التبرير هو الذي فتح الباب لها. فعملية التقديس المستمرة طوال حياة المؤمن تنبع من حقيقة أنه أصبح بارًا بفضل بر المسيح المُحتسب له بالإيمان وحده.
عزيزي إن الله أعلن بره في معاقبة الخطية في شخص ابنه البار لكن ننال نحن—مهما كانت خطايانا — غفران الخطايا والخلاص في يسوع المسيح كما يقول بولس في 2 كورنثوس 5: 21:
لأَنَّهُ جَعَلَ (أي الآب) الَّذِي لَمْ يَعْرِفْ خَطِيَّةً (أي المسيح)، خَطِيَّةً لأَجْلِنَا، لِنَصِيرَ نَحْنُ بِرَّ اللهِ فِيهِ.
هذه نعمة لا نستحقها على الإطلاق وتأتي لنا بقوة القيامة وبقوة روح الله لتغيّر علاقتنا مع الله وتعيد تشكيل حياتنا برمتها. هذا ما يوضحه بولس في رومية 5: 1-5:
فَإِذْ قَدْ تَبَرَّرْنَا بِالإِيمَانِ لَنَا سَلاَمٌ مَعَ اللهِ بِرَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ،الَّذِي بِهِ أَيْضًا قَدْ صَارَ لَنَا الدُّخُولُ بِالإِيمَانِ، إِلَى هذِهِ النِّعْمَةِ الَّتِي نَحْنُ فِيهَا مُقِيمُونَ، وَنَفْتَخِرُ عَلَى رَجَاءِ مَجْدِ اللهِ. وَلَيْسَ ذلِكَ فَقَطْ، بَلْ نَفْتَخِرُ أَيْضًا فِي الضِّيقَاتِ، عَالِمِينَ أَنَّ الضِّيقَ يُنْشِئُ صَبْرًا، وَالصَّبْرُ تَزْكِيَةً، وَالتَّزْكِيَةُ رَجَاءً،وَالرَّجَاءُ لاَ يُخْزِي، لأَنَّ مَحَبَّةَ اللهِ قَدِ انْسَكَبَتْ فِي قُلُوبِنَا بِالرُّوحِ الْقُدُسِ الْمُعْطَى لَنَا.
إذًا فالتبرير يمنحنا السلام والاقتراب إلى الله وبفضله تنسكب محبة الله بالروح القدس في قلوبنا. ببر المسيح المُعطى لنا نواجه الصعاب بل تكون الصعاب أداة في يد الله لتعزيز رجائنا أن الله لن يتركنا حتى يأتي بنا لمجده الأبدي.

No comments:

Post a Comment