Saturday, November 7, 2015

هل مصر لها وعد خاص في إشعياء 19؟

حول تفسير إشعياء 19

كمصريين نحن نحب إشعياء 19 ونفتخر أن الرب يسمي مصر "شعبي" في عدد 25.   إلا أن تفسير هذا الجزء من إشعياء يقودنا في اتجاه مختلف.  لا يرى المفسرون هنا ميزة روحية تخص مصر وحدها لكن نبوة عنما يحدث عالمياُ في عصر المسيح.
الخلفية التاريخية هي أن مصر وأشور كانا يمثلا أعداء شعب الله في العهد القديم.   استعبد شعب الله في مصر من أيام يوسف لموسى 430 سنة.  ثم بعد ذلك صارت أشور (والمقصود غالبا بابل أيضاً) مهددة لشعب الله.

في وقت النبي إشعياء بالتحديد كانت أشور دولة عظمى وبدأت في استعمار الدول المجاورة ليهوذا.  سقطت إسرائيل المملكة الشمالية سنة 722 ق م وهدد الأشوريون يهوذا وعاصمتها أورشليم لولا تدخل الرب (إشعياء 36-37).  إلا أن البعض في يهوذا حاول الاستعانة بمصر ضد التهديد الأشوري (إشعياء 31: 1):

ويْلٌ لِلَّذِينَ يَنْزِلُونَ إِلَى مِصْرَ لِلْمَعُونَةِ، وَيَسْتَنِدُونَ عَلَى الْخَيْلِ وَيَتَوَكَّلُونَ عَلَى الْمَرْكَبَاتِ لأَنَّهَا كَثِيرَةٌ، وَعَلَى الْفُرْسَانِ لأَنَّهُمْ أَقْوِيَاءُ جِدًّا، وَلاَ يَنْظُرُونَ إِلَى قُدُّوسِ إِسْرَائِيلَ وَلاَ يَطْلُبُونَ الرَّبَّ.

اذاً هذا هو السياق التاريخي الذي ينبغي أن يراعى عند تفسير إشعياء 19 ومنه نرى عظمة النبوة الموجودة في الأعداد 23-25:

فِي ذلِكَ الْيَوْمِ تَكُونُ سِكَّةٌ مِنْ مِصْرَ إِلَى أَشُّورَ، فَيَجِيءُ الأَشُّورِيُّونَ إِلَى مِصْرَ وَالْمِصْرِيُّونَ إِلَى أَشُّورَ، وَيَعْبُدُ الْمِصْرِيُّونَ مَعَ الأَشُّورِيِّينَ.  فِي ذلِكَ الْيَوْمِ يَكُونُ إِسْرَائِيلُ ثُلُثًا لِمِصْرَ وَلأَشُّورَ، بَرَكَةً فِي الأَرْضِ، بِهَا يُبَارِكُ رَبُّ الْجُنُودِ قَائِلاً: «مُبَارَكٌ شَعْبِي مِصْرُ، وَعَمَلُ يَدَيَّ أَشُّورُ، وَمِيرَاثِي إِسْرَائِيلُ».

يعلن الله على فم إشعياء حقيقة غير متوقعة اطلاقاً: أن العدو الحالي (أشور) والعدو السابق (مصر) سيتحدون معك يا شعبي في عبادتي!! إنها نبوة عن التحول الذي سيحدث عند مجيء المسيا المنتظر أي أنه سيغير حال الأمم المعادية ويجعلهم من ضمن شعبه!  مصر تكون شعبه، أشور عمل يديه وإسرائيل ميراثه.  المصطلحات الثلاثة مترادفة: شعبي، عمل يدي، ميراثي والمعنى واضح: "ستنتهي الخصومات وستتوحد الأمم في عبادة الله."  اجمع المفسرون أن مصر وأشور يمثلا الأمم الذين سيدخلها الله إلى عهده مع إبراهيم كما قال الرسول بولس في العهد الجديد (غلاطية 3: 13-14):

المسيح افْتَدَانَا مِنْ لَعْنَةِ النَّامُوسِ، إِذْ صَارَ لَعْنَةً لأَجْلِنَا، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: «مَلْعُونٌ كُلُّ مَنْ عُلِّقَ عَلَى خشبة لِتَصِيرَ بَرَكَةُ إِبْرَاهِيمَ لِلأُمَمِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ، لِنَنَالَ بِالإِيمَانِ مَوْعِدَ الرُّوحِ.

بسبب عمل المسيح كل الذين يؤمنون به صاروا واحد دون تمييز بين اليهود والأمم أو بين الأمم وبعضها (غلاطية 3: 26-29):
أَنَّكُمْ جَمِيعًا أَبْنَاءُ اللهِ بِالإِيمَانِ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ. لأَنَّ كُلَّكُمُ الَّذِينَ اعْتَمَدْتُمْ بِالْمَسِيحِ قَدْ لَبِسْتُمُ الْمَسِيحَ: لَيْسَ يَهُودِيٌّ وَلاَ يُونَانِيٌّ. لَيْسَ عَبْدٌ وَلاَ حُرٌّ. لَيْسَ ذَكَرٌ وَأُنْثَى، لأَنَّكُمْ جَمِيعًا وَاحِدٌ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ. فَإِنْ كُنْتُمْ لِلْمَسِيحِ، فَأَنْتُمْ إِذًا نَسْلُ إِبْرَاهِيمَ، وَحَسَبَ الْمَوْعِدِ وَرَثَةٌ.

في ضوء التفسير الصحيح لإشعياء 19 وتفسير العهد الجديد للنبوات لا يعقل أن الله له الآن عرقية مفضلة.  شعبه مكون من المؤمنين من كل الأمم على حد سواء: مصر، إسرائيل، أشور، كينيا، الصين، البرازيل، الخ....

واضح أن كلمات إشعياء 19 مجازية بدليل أن "السكة" المذكورة في عدد 23 لم تبنى بعد فهي تعبر عن معنى روحي (الوحدة والتواصل).  لو أصيرنا أنها حرفية إذا فهي ستحدث في المستقبل وفي هذه الحالة تكون مصر شعب الله في المستقبل وليس الآن وهكذا تعود أشور وإسرائيل للرب أيضاً والثلاثة يكونون أمة واحدة.  لا أفضل هذا التفسير ولا يفضله المفسرون...فماذا عن باقي الأمم؟!  لماذا يميز الله هذه الدول الثلاثة بالذات؟

هل يعني هذا أننا كمصريين لا نستفاد من كلمات إشعياء 19؟  بالطبع نستفاد: كل مصري يؤمن بالمسيح ينطبق عليه وعود الإصحاح في المسيح. لكننا لا نجد فيه وعد قومي وهذا التفسير وهمي ويقود لاستنتاجات كثيرة خاطئة.   إشعياء 19 تعد بتصالح كل الأمم مع الله ومع شعبه القديم (انظر أيضاً كلام بولس في رومية 11).
بعض المراجع المستخدمة:
J. A. Alexander, The Prophecies of Isaiah, Zondervan Publishing House, 1981
J. Alex Motyer, The Prophecy of Isaiah, Intervarsity Press, 1993

Geneva Study Bible, Thomas Nelson Publishers, 1995

No comments:

Post a Comment