Thursday, August 17, 2017

الغنوسية الجزء الثاني: موقفها من العهد القديم


كان للحركات الغنوسية موقفاً سلبياً تجاه العهد القديم وبعض أجزاء العهد الجديد.  من أخطر مزاعم الغنوسيون أن إله العهد القديم (يهوه) ليس الإله الأعظم بل إلهاً شريراً أو جاهلاً وله مقاماً أقل بكثير من الإله الأعظم.  توصل الفكر الغنوسى لهذا الإعقتاد بسبب رفضهم للمادة. كما قلنا في المقال السابق بالنسبة لهم كانت المادة شريرة أو مجرد وهم والمسيح كان مجرد شبح.  في رأيهم ما حدث أن "انبثاقات" (شئ مثل الملائكة) خرجت من الإله الأعظم وللانبثاقات رتب مختلفة وتوجهات مختلفة.  يهوه أحد هذه الانبثاقات وله رتبة منخفضة فزعموا أنه خلق العالم المادي دون علم أو دون تدخل الإله الأعظم!

المسيح بالنسبة للغنوسيين لم يرسل من إله العهد القديم القاسي بل من الإله الأعظم الآب السماوي.  جاء المسيح ليحرر الناس من يهوه ومن شريعته من خلال "الغنوسس" (المعرفة) وليس بالإيمان.  إنه لم يمت حقيقة ولا حاجة لموته لأن نور المعرفة المتوفر عندهم هو المطلوب.

مع أن هناك غنوسية يهودية إلا أن القوة الحقيقية وراء الغنوسية هي الهيلينية متمثلة في الفلسفة اليونانية وخاصة الافلاطونية.  علمت هذه المدرسة الفلسفية أن "الأفكار" غير المرئية هي الحقيقة المطلقة وأن عالمنا "تقليد" غير حقيقي وغير كامل.  الهدف هو الوصول للكمال والبُعد عن كل الأشكال المادية.   كان الفكر اليوناني يحتقر اليهود وشريعتهم بسبب اهتمامها بالأرضيات ومن هنا صارت الأساطير الغنوسية جذابة للكثيرين.


بالطبع رفض الغنوسيون لا العهد القديم فقط بل أجزاء كبيرة من العهد الجديد لاستنادها على القديم.  حارب أباء الكنيسة مثل يوستينوس الشهيد وايريناوس في القرن الثاني هذه الحركات وكان انتشار الغنوسية من الدوافع التي جعلت الأباء يضعون "قانون" لأسفار العهد الجديد حتى لا يحدث لبس في الكنائس.   مع صعود المسيحية في القرون الوسطى اضطرت الغنوسية البقاء بطرق سرية "تحت الأرض" حتى ظهرت في القرون الأخيرة بطريقة علنية.  وللحديث بقية.

No comments:

Post a Comment